16‏/09‏/2009

التعويذة السحرية

16‏/09‏/2009


كتب لينين الرملي

ليس هناك أجمل من رؤية الماء في الصحراء بعد طول ظمأ،

‮ ‬نجري نحوه بلهفة،‮ ‬نعيش هذا الإحساس الرائع

بالنجاة والبقاء أحياء‮.

‬لكننا‮ ‬غالبا ما نكتشف أن الماء كان سرابا‮.

‬وما اعتقدنا أنه حقيقة رأيناها بأعيننا

ثبت أنه كان وهما تخيلناه‮.

‬وإن أحاسيس الفرحة التي جعلتنا نغني ونرقص

ونحن في طريقنا إلي السراب لم يكن لها أي مبرر‮.

‬ وسواء متنا من العطش أو عثرنا علي الماء في مكان آخر،

‮ ‬تعيش الأغاني في الذاكرة تتوارثها الأجيال‮. ‬



وهكذا فالاعتقاد الفاسد الذي يجعلنا نضل

الطريق قد يمدنا بالأمل،‮ ‬والإحساس الكاذب الذي

يلهينا عن الحقيقة قد يحفزنا علي

إبداع أروع الأغاني والرقصات‮!.

‬ آمن قدماء المصريين بآلهة لا وجود لها‮.

‬فأبدعوا الأهرام والمسلات والتماثيل

وبرعوا في النحت والرسم وسائر الفنون والعلوم‮. ‬



والحب يلهم الشعراء بأجمل القصائد

لكن قد تكون المحبوبة الملهمة قردة أو امرأة لكل الرجال‮.




‬الإبداع البشري كثيرا ما ينتج عن الخيال لا الواقع بالضرورة،‮ ‬

والخيال من عائلة الأحلام والأماني‮. ‬

عاش الإنسان يقاوم ضعفه وبؤس واقعه

عن طريق تخيل عالم وهمي مثالي يخلقه‮.‬


بتصوراته الكاذبة ثم يصدقه ويدافع عنه دفاع المستميت‮.

‬كمسافر زاده الخيال والسحر والجمال‮. ‬

يعيش الجزء الأكبر من حياته بالوهم‮. ‬

عكس الحيوان الذي يعيش في الحقيقة فقط‮.

‬الإنسان يعيش في الواقع مضطرا فحسب‮.

‬لكنه يستعين علي تحمل الحياة بالوهم والخيال‮.

‬الحيوانات لا تؤلف الأساطير والملاحم لا تترنم بالأغاني ولا تقول الشعر‮.


‬هي لا تعرف إلا الواقع ولا تطلب إلا البقاء حية‮. ‬

لا تكتب قصصا عن وقائع لن تحدث أبدا‮.

‬أو تسطر تاريخا علي هواها لم يحدث أبدا‮.

‬الأسد لا يري في وجه اللبؤة شبها بالقمر

الذي يسطع في الليل البهيم‮! ‬

أما الإنسان فيخلق حيوانات خرافية و آلهة لم يرها‮.

‬وأشباحًا وعفاريت يخاف منها ويشعل النار ليحرقها

ويحارب طواحين الهواء‮! ‬وبعد أن يصنع بخياله كل هذه

الأوهام يصدقها‮. ‬كما يصنع الأغاني الرائعة والتاريخ المكذوب

الذي هو أكثر أروعة و الأساطير التي هي قلاع ضخمة

نعيش فيها ونحتمي بها‮. ‬لكن كل ذلك قصور

علي الرمال أو نبنيها في الهواء‮..

‬في أذهاننا فتمدنا بالفخر والشجاعة أو بالسلوي والعزاء‮.




‬خذ عندك‮.. ‬الصهيونية،‮ ‬القومية العربية‮. ‬

الدولة اليهودية‮ .. ‬الدولة المسيحية‮..

‬الدولة الإسلامية‮. ‬الجنس الآري السامي‮.

‬الديكتاتور العادل‮. ‬الاشتراكية‮. ‬الوحدة العربية‮.

‬الحرب المقدسة‮. ‬صكوك الغفران التي ستدخلنا الجنة‮.

‬وأولياء الله الذين مازلنا نكتب لهم الرسائل يوميا‮. ‬



مليارات البشر عبدوا أصناما من الطين

والحجر والعجوة والذهب صنعوها بأيديهم،‮

‬وأنتجت كل هذه الأوهام حروبا قتلت أعدادا مهولة من البشر،

‮ ‬وخلقت أيضا أروع الأعمال الفنية والأدبية وأحيانا

حفزت الاكتشافات والاختراعات العلمية‮. ‬


ثم دخل الإنسان في عصر جديد بدأ

فيه يفرق بين العلم والخرافة،‮ ‬الحقيقة والوهم‮. ‬


شيئا فشيئا راح يعتمد علي الواقع الملموس،

‮ ‬ويبني عليه أعماله ويحاول التنبؤ عن

طريق العلم بالمستقبل القريب ليعمل حسابه‮. ‬



لكننا في هذه المنطقة من الدنيا مازلنا نعشق الشعر‮. ‬


وقديما قيل أن‮ ( ‬أجمل الشعر أكذبه‮)‬،‮ ‬وبهذا نكون كلنا شعراء‮!. ‬


الصدق في الشعر يعني صدق أحاسيس

الشاعر لا يعني صدق الواقع بالضرورة‮. ‬

و أحاسيسه هي ما يتوهم أنها الحقيقة

لا الحقيقة فعلا والفرق كبير لكننا لا نهتم به،

‮ ‬المهم أن تكون القصيدة رائعة وهي رائعة

عندما تتحدث عن جمالنا وقوتنا وعراقتنا

وكل ما نتمناه في أنفسنا ونحلم به لأولادنا

ونتخيل فيه أجدادنا علي أحسن صورة‮. ‬



حقا نتصارع نهارا ونسب بعضنا فنستخدم

أبشع الكلمات وأفظع الاتهامات،‮ ‬

لكننا في المساء نحب أن نسمع الشعر

ونحب أن نردده دون ملل‮. ‬

لا أقصد الشعر الذي هو فن من فنون الأدب،‮

‬بل الشعر الذي هو فن من

فنون الجهل المصحوب بجنون العظمة‮.. ‬

الشعر الذي أقصده هو ما نردده من أفكار وحقائق

نعتمدها كأنها العلم الذي لا شك فيه‮.

‬هي ما قاله الشعراء وكتاب المقالات

وحاشية السلطان من رجال الحكم

و رجال السياسة و رجال الأعمال‮! ‬



نعترف بأن العالم الغربي تقدم عنا كثيرا‮

(‬ننسي دائما العالم في آسيا‮)

نتميز عن العالم بأننا نملك الحقيقة المطلقة

التي توصلنا لها قبل الجميع وستظل هكذا

حتي يوم الحساب،‮ ‬نشكو التحرش الجنسي

نهارا وعلنا في شوارع مصر التي كانت أم الدنيا

ولكننا نؤمن في نفس الوقت أن أخلاقنا

أحسن من أي بشر في الدنيا‮. ‬



فتراثنا الشعري عربي وليس مصريا،‮

‬والعرب أنتجوا شعرهم عندما كانوا يعيشون

في قبائل فتمدح كل قبيلة نفسها وتذم القبائل المجاورة،

‮ ‬تتغني بانتصاراتها علي القبائل الأخري

وكأن كلهم انتصروا علي بعضهم ولم يهزم أحد منهم‮!

‬عشنا في هذا الوهم لقرون كثيرة وما زلنا،‮

‬من يعرف الحقيقة يسكت لأنه يفضل السلامة،

‮ ‬أو يكذب‮ ‬فيشارك في نشر الوهم‮.

‬الكثير من أغانينا جميلة فالوهم دائما أجمل من الواقع‮.

‬ما أجمل‮ (‬إحنا الشعب اخترناك من قلب الشعب‮) ‬

هكذا وصلنا لديمقراطية لم يعرفها أحد‮.

(‬يا أهلا بالمعارك يا بخت من يشارك‮)

تحدينا أعتي القوي وسطرنا هذا في تاريخنا المجيد

وما زال باعتبار أن الأغاني تسجل الحقيقة،‮ ‬

ما أجمل قصيدة أمل دنقل‮ (‬لا تصالح ولو منحوك الذهب‮..

‬لا تصالح علي الدم‮.. ‬حتي بدم‮ !). ‬ثم تصالحنا

وثبت أن هذا كان أفضل‮. ‬ولكن القصيدة تظل جميلة

لهذا مازال البعض يغنيها لأنها تعبر عن أحلام وأمان

فالشعر عندنا تعويذة سحرية يمكنها أن تجعل من السراب ماء‮.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
lenin elramly ◄Design by Pocket, BlogBulk Blogger Templates