
(بقلم :لينين الرملي)
منذ حوالي الشهر أتصل بي الأستاذ خيري حسن
من صحيفة الوفد كي يسألني رأيي ضمن
حملة الوفد ضد بيع بنك القاهرة.
وبلا تردد اعتذرت له لأني لست جديرا بالحديث
في هذا الموضوع فليس الاقتصاد تخصصي.
هل من العيب الاعتراف بذلك؟
أم أنه من الأفضل من باب الوجاهة أن أدلي برأيي في كل موضوع؟!
وكان الأستاذ خيري كعادته مهذبا فلم يلح في السؤال.
ولو كان قد ألح لذكرت له السبب الثاني
، وهو أني لا أحب أن أشارك في الحملات الصحفية
فكلمة الحملة نفسها تستدعي للذهن
حالة الحرب، كما نقول حملة نابليون مثلا.
وفي كل عدد عريضة لرئيس الوزراء مطلوب من
القارئ أن يوقعها ويرسلها إلي الصحفية
وهو ما يذكرنا بالعرائض التي وقعها الشعب المصري
ليوكل زعيمه سعد زغلول الذي كان
رمزا لصوت الشعب ضد المحتل الإنجليزي!
فهل السلطة الآن في وضع المحتل الإنجليزي
أو الوفد هو الممثل للشعب المصري؟
وهل قضية اقتصادية بالدرجة الأولي
من المفترض أن يفهم فيها كل الناس؟
تشكو الصحف علي اختلاف مسمياتها من جهل الجامعيين
الذين لا يكتبون جملة دون إن يخطئوا في الإملاء،
فمن أين الملايين الذين يفهمون في الاقتصاد؟
بالطبع ليس مطلوبا منهم الفهم
ولكن أن يتأثروا فورا بعناوين مثل " بيع مصر"
لكي يوقعوا ويبصموا بالعشرة.
(من من المصريين يوافق علي بيع مصر؟)
هذا بشعار الأخوان" الإسلام هو الحل
>فمن من المسلمين ـ لا أقول كل المصريين ـ
يعترض علي أي شعار يتضمن كلمة الإسلام؟
هنا نكون قد وصلنا لنقطة خلط السياسية بالصحافة.
فبيع مصر أو الإسلام هو الحل،
هي شعارات سياسية وليست صحافة،
وكانت صحيفة المصري التي تمثل تيار الوفد
أيام النحاس تعرف كيف تفصل عملها الصحفي
عن العمل السياسي، ولهذا كانت صحفية ناجحة ومؤثرة.
السبب الثالث الذي لم أذكره للأستاذ خيري في اعتذاري
أن الحملة كانت ماضية في اصطياد شخصية
وراء أخري لينتقد السلطة، والحكومة،
والنظام كله في معرض حديثه عن بنك القاهرة،
وأنا لم أقرر حتي الآن أن أعلن الحرب علي الثلاثة
معا لأشارك في المعركة مع صحيفة الوفد ضدهم ( خواف شويه)
وهكذا ضيعت علي نفسي فرصة أن تظهر لي صورة
كبيرة ملونه علي نصف صفحة (مفكر بقي) مصحوبة
بحديث يشغل كل الصفحة الأخيرة وعناوين كبيرة
بالأحمر والأسود لتصريحات نارية ستغير أحوال مصر.
لكن في الأسبوع الماضي فوجئت
بحديث للأستاذ خيري مع المهندس نجيب ساويرس
رجل الأعمال المعروف خارج إطار الحملة
( مع وجود العريضة إياها ) هنا فقط تحول الأمر
إلي حديث صحفي حقا.
لم يكن رأي ساويرس مع الوفد ولكنه لم يكن أيضا ضده تماما،
ولا مع الحكومة ولا ضدها تماما أيضا.
في نفس الوقت لم يكن محايدا أو يتخذ موقفا
وسطا أو يجامل كلاهما.
علي العكس كان صريحا وشجاعا إلي أقصي حد
والسبب ببساطة أنه لم يكن يخوض معركة بل كان يقول رأيه المستقل،
إلي حد أن محرر الصحيفة المعارضة سأله في لحظة مستنكرا
>هل الحكومة كلها حرامية؟
<. مستقل جاءت كلماته بسيطة بلا حذلقة،
ولا شعارات أو ادعاءات الوطنية،
والأغرب أنه لم يكن وقحا ولم يسب أي أحد !!!
وأقول بصراحة أن كلماته المختصرة بلا لف ولا دوران
كانت مفهومة ومخلصة و مقنعة أكثر من
كل ما جاء في الحملة التي قرأت بعض أحاديثها
ولم أقرأ بعضها عندما وجدتها تعزف نفس اللحن
وهو أمر يبعث علي الملل.
لا أقول هذا مدحا في ساويرس
( فلا يصح أن نشكر من يصرح برأيه )
ولكني أشكر الأستاذ خيري الذي أجري الحديث
وأشكر صحيفة الوفد بالتالي،
وأريد أن انطلق من هذا لأسأل لماذا لم تضع الصحيفة
قضية بنك القاهرة لا بيع مصر،
موضوعا لحوار عقلاني بدلا من أن تصنع منها حملة؟
ولماذا لا يدعو الحزب رجال الاقتصاد والمفكرين
وأعضاء الحزب لحوار موضوعي داخل الحزب نفسه؟
الأحزاب تتهم الحكومة بأنها لا تسمعها.
فهل تستمع الأحزاب فعلا لرأي الحكومة؟
بلاش رأي الحكومة رأي المستقلين المشتغلين بالعمل السياسي؟
رأي المفكرين؟
بل رأي رجل الشارع في الحكومة وفيهم؟
وهل يستمع كل حزب لرأي الحزب الأخر؟
لكن هل تسمع الصحف بعضها بعضا؟
أم تخوض الحملات والحملات المضادة؟
هل اشتاق البعض للحرب؟
لا أحد يكسب في الحروب حتي المنتصر فيها.
قال نابليون " ليس هناك انتصارات حقه غير
انتصارات العلم علي الجهل."
وقال أيضا " النصر الوحيد الذي يدوم ولا يترك
وراءه ما يوجب الآسف،
هو انتصار المرء علي نفسه ."
لا يهمني أن نابليون فرنسي غزا بلادي يوما،
أو أنه لم يعمل بما قاله.
ما يهمني أن هذا لا يمنع أن أستمع إلي كلماته
وأن أتأملها حتي لو كان نابليون عضوا
في حزب الوفد أو التجمع أو الوطني
أو من الأخوان المسلمين أو من حزب الشيطان
الذي هو عكس حزب الله الذي لا يخطئ
مع أن زعيمه هو حسن نصر الله وليس الله.
وفي رأيي المتواضع أنه حتي في المعارك كلامية
كانت أو معارك الدم لا ينفع إلا الاستماع لصوت العقل،
فقد ولت العهود التي كانت تكسب بالكلام أو بالسلاح.
فكلام اليوم وسلاح اليوم هو من صنع العقل وليس العكس،
والله العظيم ليس العكس!!!
0 التعليقات:
إرسال تعليق