
نشكو من تفشي الوساطة والرشوة والمحسوبية في كل المجالات تقريبا.
فإذا كان عندنا مشكلة نبحث عمن يتوسط لنا في حلها ويؤدي لنا الخدمة
التي نطلبها سواء كانت دفع ضرر قد يصيبنا أو يسهل لنا منفعة
لا نستحقها، وقد نعرض علي هذا الوسيط (رشوة) تبدأ ببضعة جنيهات
إذا كانت الخدمة بسيطة ومن حقنا! وتصل إلي آلاف أو ملايين الجنيهات
وأحيانا الدولارات حسب قدر المنفعة التي ستعود علينا لمن يساعدنا
علي تخطي القواعد واللوائح وضرب كل القوانين بالصرمة القديمة.
كل هذا أصبح من الأمور المعروفة أو قل من التقاليد
والأعراف المستقرة في المجتمع ولها جذورها التاريخية البعيدة
عندما كان مقر الخلافة العثمانية في تركيا يعين القضاة للعمل في
ولاية مصر علي برطلة، أي رشوة بلغة ذلك الزمان,
وتخيل كم من البرطلة كان يحصل عليها هذا القاضي بدوره
من أطراف القضايا التي سيحكم فيها بالعدل وشريعة الله!.
بالوساطة والمحسوبية والرشوة تحصل علي ما هو حقك
وما ليس من حقك، ما هو ممكن أو غير ممكن إلا في حالات قليلة،
خذ مثلا الموت.
هل تنفع الوساطة والمحسوبية والرشوة في النجاة منه ولو مؤقتا؟.
يعني رجل فقير يأتيه ملاك الموت فيستعطفه
(سيبني كمان كام شهر أنا عندي عيال. مين يوكلهم بعدي ؟)
ثم يتلفت حوله ويدس في جيب عزرائيل ورقة بعشرة جنيهات قائلا
(دا حق الشاي).
طبعا عزرائيل كائن منضبط لن يسمع منه وسيخطف روحه بسرعة.
لكن ما رأيك إذا واجه عزرائيل رجلا من طبقة متوسطة قال له
(فلان باشا باعت لك معايا الكارت ده ومكتوب فيه برجاء تأجيل
وفاة المذكور لأن أمره يعنيني ونحن بحاجة إليه
في الوقت الحالي ولكم جزيل الشكر).
أو رجل آخر يبادر عزرائيل زاعقا فيه (جاي تاخد روحي؟
أنت ما تعرفش أنا أبقي مين في البلد دي؟).
أما إذا كان الشخص مليونيرا فقد يسبق عزرائيل قبل أن يأخذ
روحه ويخرج دفتر شيكاته ويكتب له مبلغا كبيرا.
في الحالات الثلاث الأخيرة قد يتراجع عزرائيل.
فالرجل الأول جاء بتوصية من شخص له حيثية والثاني قد يكون نصابا،
لكنه أيضا قد يكون له نفوذ بالفعل فلا داعي للمخاطرة.
أما الثالث الذي تكلم الشيك نيابة عنه فمن الغباء أن يضيع عزرائيل
علي نفسه هذه الفرصة, وهكذا يأخذ قرارا بشطب أسماء الثلاثة
من كشوف الموتي لهذا العام!.
قبل أن تظن أنني أمزح خذ الخبر المنشور منذ ثلاثة أيام في الصفحة الأولي
من جريدة الأهرام.(شكلت وزارة الصحة لجنة للتحقيق في كيفية
إصابة حاج مصري بمرض أنفلونزا الخنازير مع أنه تناول التطعيم
الإصابة بالفيروس.
وأكد وكيل وزارة الصحة للطب الوقائي أن عمل اللجنة لن يقتصر
علي هذا الحاج فقط إنما دراسة وضع تناول الحجاج التطعيم من عدمه،
متوقعا تسرب أكثر من 5٪ من الحجاج من التطعيم قبل السفر بفعل الوساطة
والمحسوبية والرشوة للقائمين علي عملية التطعيم)!.
الرجل الذي تحايل بالوساطة أو المحسوبية أو الرشوة
كي لا يتعاطي المصل الواقي من الأنفلونزا لا يقصد الانتحار بالقطع،
بل هو علي العكس ظن أن ذلك يبعد عنه شبح الموت!
فتعاطي المصل يبعث في نفسه التشاؤم وقد تربي علي أن مجرد ذكر
مرض السرطان مثلا قد يجعله يمرض به.
ولهذا لا يسمونه باسمه بل يقال عنه (المرض الوحش) ثم يضيفون
من باب الوقاية (بعيدا عن السامعين) فيضمنون أن كل الحاضرين
لن يصابوا به أيضا! ثم إن من الثابت علميا أن اللي يجيب سيرة العفريت يطلع له!,
وقياسا علي هذا اللي يتعاطي المصل من المرض يمرض به!!.
ومن هنا الرشوة للموظف المسئول (الذي يبدو عندئذ كعزرائيل)
حتي يجنبه تعاطي المصل. هذا الرجل والـ 5٪ الذين تحدث عنهم
مسئول الصحة يخافون من الدواء ولا يخافون من الموت بأنفلونزا الخنازير!.
والحاج علي يقين بأنه لن ينقل العدوي لعشرات الحجاج.
منذ أعوام اشتكي أحد أصدقائي المثقفين من أعراض مرضية
وطلب منه الطبيب أن يجري تحليلا و أشعة ليتأكد أن الورم
الذي يعاني منه ليس خبيثا. لكن صديقي تهرب من عمل ذلك
وفشلت كل محاولات زوجته ومعارفه في حمله علي ذلك،
مفضلا خلال أربع سنوات أن يعاني الآلام والنزيف فضلا
عن سوء حالته النفسية. كان يخشي أن يكشف التحليل أنه المرض
الوحش كأن عدم معرفته بالحقيقة ستجعل الحقيقة تأتي
علي هواه، وتجعله في مأمن من المرض.
ولا يهم إن فاجأه الموت نتيجة لمرضه, فالموت قادم علي كل حال!.
وبعد عذابه لأربع سنوات اضطر أن يجري التحليل وثبت
أن الورم كان حميدا وأجري عملية ناجحة قبل أن يموت
بسبب تأخره في العلاج.
كم من الناس في منطقتنا يفكرون علي هذا النحو؟
في رأيي أنهم أكثر كثيرا من 5٪ .أنه منهج تفكير نتميز به ويكاد يشملنا جميعا.
انظر إلي معالجتنا لأي قضية اجتماعية أو سياسية. تعرف لماذا كل قضايانا
لا تحل.فنحن نتجنب التحليل العلمي والأشعة التي تظهر
الحقيقة الباطنية التي لا تظهر لعيوننا، خذ مشكلة العشوائيات،
زيادة السكان، حوادث السيارات والقطارات والعبارات والمعديات الصغيرة.
خذ فساد وتلوث البيئة.خذ قضايانا مع العالم.نحن نخشي معرفة الحقيقة
ولا نريد أن نحتاط من خطرها كما يفعل بقية البشر كأننا لسنا من البشر.
والنتيجة هي تفاقم مشاكلنا. عدونا هو كل من يبحث..
مجرد البحث عن الحقيقية. ولهذا فأقل ميزانية في كل ميزانيات دول
منطقتنا هي ميزانية البحث العلمي.. ما عدا إسرائيل!!.
نحن ننفرد بأننا نرشوا عزرائيل حتي يأخذنا لموت سريع
لكننا نشعر بأننا بخير طالما لا نذكر أنفسنا إلا بالخير.
اللهم اجعله خيرا.
فإذا كان عندنا مشكلة نبحث عمن يتوسط لنا في حلها ويؤدي لنا الخدمة
التي نطلبها سواء كانت دفع ضرر قد يصيبنا أو يسهل لنا منفعة
لا نستحقها، وقد نعرض علي هذا الوسيط (رشوة) تبدأ ببضعة جنيهات
إذا كانت الخدمة بسيطة ومن حقنا! وتصل إلي آلاف أو ملايين الجنيهات
وأحيانا الدولارات حسب قدر المنفعة التي ستعود علينا لمن يساعدنا
علي تخطي القواعد واللوائح وضرب كل القوانين بالصرمة القديمة.
كل هذا أصبح من الأمور المعروفة أو قل من التقاليد
والأعراف المستقرة في المجتمع ولها جذورها التاريخية البعيدة
عندما كان مقر الخلافة العثمانية في تركيا يعين القضاة للعمل في
ولاية مصر علي برطلة، أي رشوة بلغة ذلك الزمان,
وتخيل كم من البرطلة كان يحصل عليها هذا القاضي بدوره
من أطراف القضايا التي سيحكم فيها بالعدل وشريعة الله!.
بالوساطة والمحسوبية والرشوة تحصل علي ما هو حقك
وما ليس من حقك، ما هو ممكن أو غير ممكن إلا في حالات قليلة،
خذ مثلا الموت.
هل تنفع الوساطة والمحسوبية والرشوة في النجاة منه ولو مؤقتا؟.
يعني رجل فقير يأتيه ملاك الموت فيستعطفه
(سيبني كمان كام شهر أنا عندي عيال. مين يوكلهم بعدي ؟)
ثم يتلفت حوله ويدس في جيب عزرائيل ورقة بعشرة جنيهات قائلا
(دا حق الشاي).
طبعا عزرائيل كائن منضبط لن يسمع منه وسيخطف روحه بسرعة.
لكن ما رأيك إذا واجه عزرائيل رجلا من طبقة متوسطة قال له
(فلان باشا باعت لك معايا الكارت ده ومكتوب فيه برجاء تأجيل
وفاة المذكور لأن أمره يعنيني ونحن بحاجة إليه
في الوقت الحالي ولكم جزيل الشكر).
أو رجل آخر يبادر عزرائيل زاعقا فيه (جاي تاخد روحي؟
أنت ما تعرفش أنا أبقي مين في البلد دي؟).
أما إذا كان الشخص مليونيرا فقد يسبق عزرائيل قبل أن يأخذ
روحه ويخرج دفتر شيكاته ويكتب له مبلغا كبيرا.
في الحالات الثلاث الأخيرة قد يتراجع عزرائيل.
فالرجل الأول جاء بتوصية من شخص له حيثية والثاني قد يكون نصابا،
لكنه أيضا قد يكون له نفوذ بالفعل فلا داعي للمخاطرة.
أما الثالث الذي تكلم الشيك نيابة عنه فمن الغباء أن يضيع عزرائيل
علي نفسه هذه الفرصة, وهكذا يأخذ قرارا بشطب أسماء الثلاثة
من كشوف الموتي لهذا العام!.
قبل أن تظن أنني أمزح خذ الخبر المنشور منذ ثلاثة أيام في الصفحة الأولي
من جريدة الأهرام.(شكلت وزارة الصحة لجنة للتحقيق في كيفية
إصابة حاج مصري بمرض أنفلونزا الخنازير مع أنه تناول التطعيم
الإصابة بالفيروس.
وأكد وكيل وزارة الصحة للطب الوقائي أن عمل اللجنة لن يقتصر
علي هذا الحاج فقط إنما دراسة وضع تناول الحجاج التطعيم من عدمه،
متوقعا تسرب أكثر من 5٪ من الحجاج من التطعيم قبل السفر بفعل الوساطة
والمحسوبية والرشوة للقائمين علي عملية التطعيم)!.
الرجل الذي تحايل بالوساطة أو المحسوبية أو الرشوة
كي لا يتعاطي المصل الواقي من الأنفلونزا لا يقصد الانتحار بالقطع،
بل هو علي العكس ظن أن ذلك يبعد عنه شبح الموت!
فتعاطي المصل يبعث في نفسه التشاؤم وقد تربي علي أن مجرد ذكر
مرض السرطان مثلا قد يجعله يمرض به.
ولهذا لا يسمونه باسمه بل يقال عنه (المرض الوحش) ثم يضيفون
من باب الوقاية (بعيدا عن السامعين) فيضمنون أن كل الحاضرين
لن يصابوا به أيضا! ثم إن من الثابت علميا أن اللي يجيب سيرة العفريت يطلع له!,
وقياسا علي هذا اللي يتعاطي المصل من المرض يمرض به!!.
ومن هنا الرشوة للموظف المسئول (الذي يبدو عندئذ كعزرائيل)
حتي يجنبه تعاطي المصل. هذا الرجل والـ 5٪ الذين تحدث عنهم
مسئول الصحة يخافون من الدواء ولا يخافون من الموت بأنفلونزا الخنازير!.
والحاج علي يقين بأنه لن ينقل العدوي لعشرات الحجاج.
منذ أعوام اشتكي أحد أصدقائي المثقفين من أعراض مرضية
وطلب منه الطبيب أن يجري تحليلا و أشعة ليتأكد أن الورم
الذي يعاني منه ليس خبيثا. لكن صديقي تهرب من عمل ذلك
وفشلت كل محاولات زوجته ومعارفه في حمله علي ذلك،
مفضلا خلال أربع سنوات أن يعاني الآلام والنزيف فضلا
عن سوء حالته النفسية. كان يخشي أن يكشف التحليل أنه المرض
الوحش كأن عدم معرفته بالحقيقة ستجعل الحقيقة تأتي
علي هواه، وتجعله في مأمن من المرض.
ولا يهم إن فاجأه الموت نتيجة لمرضه, فالموت قادم علي كل حال!.
وبعد عذابه لأربع سنوات اضطر أن يجري التحليل وثبت
أن الورم كان حميدا وأجري عملية ناجحة قبل أن يموت
بسبب تأخره في العلاج.
كم من الناس في منطقتنا يفكرون علي هذا النحو؟
في رأيي أنهم أكثر كثيرا من 5٪ .أنه منهج تفكير نتميز به ويكاد يشملنا جميعا.
انظر إلي معالجتنا لأي قضية اجتماعية أو سياسية. تعرف لماذا كل قضايانا
لا تحل.فنحن نتجنب التحليل العلمي والأشعة التي تظهر
الحقيقة الباطنية التي لا تظهر لعيوننا، خذ مشكلة العشوائيات،
زيادة السكان، حوادث السيارات والقطارات والعبارات والمعديات الصغيرة.
خذ فساد وتلوث البيئة.خذ قضايانا مع العالم.نحن نخشي معرفة الحقيقة
ولا نريد أن نحتاط من خطرها كما يفعل بقية البشر كأننا لسنا من البشر.
والنتيجة هي تفاقم مشاكلنا. عدونا هو كل من يبحث..
مجرد البحث عن الحقيقية. ولهذا فأقل ميزانية في كل ميزانيات دول
منطقتنا هي ميزانية البحث العلمي.. ما عدا إسرائيل!!.
نحن ننفرد بأننا نرشوا عزرائيل حتي يأخذنا لموت سريع
لكننا نشعر بأننا بخير طالما لا نذكر أنفسنا إلا بالخير.
اللهم اجعله خيرا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق