19‏/02‏/2010

العصا لمن ؟‮!

19‏/02‏/2010


‬لا تفكير في تغيير المناهج‮. ‬الحل هو إعادة العصا للمدارس حتي لا يصبح المدرس ملطشة للتلاميذ،‮ ‬هكذا تكلم وزير التربية والتعليم‮. ‬

كأن العصا اختفت أصلا‮!. ‬كأنها لم تكن سببا فيما وصل إليه حال التعليم الذي أوصل الوزير بدوره إلي منصبه‮!. ‬لسان حاله كممثل للحكومة يقول للتلاميذ مش كفاية بنعلمكم بالمجان؟‮. ‬ عقاب الطفل بالعصا يؤدي إلي أمر من اثنين،‮ ‬إما أن يشب جبانا خانعا يلبي أي أمر ولو فيه إهانة و مذلة،‮ ‬أو يشب فيمارس الضرب الذي ذاقه ضد الآخرين وأولهم أولاده وزوجته التي لم تحسن تربيتهم أو فشل هو في تربيتها‮!. ‬

في الحالتين يشب الطفل فيحيا إلي مماته كارها للعلم والتعلم بأنواعه،‮ ‬ويظل العمل الذي يطبق فيه ما تعلمه واجبا ثقيلا يؤديه كارها حتي لو كان فيه تحسن أحواله‮.

‬ المنهج الحالي الذي يعتز به الوزير هو إجبار الطالب علي تأدية فترة الدراسة ليحصل علي شهادة تخرج من السجن بشرط حسن السير والسلوك،‮ ‬عندئذ تعد الحكومة‮ - ‬أو كانت‮- ‬بأن تعطيه أجرا علي وظيفة وهمية‮ - ‬لأنه لم يتعلم شيئا له قيمة‮- ‬يأكل منها عيشا حتي لا ينحرف‮!. ‬ إنه الدستور‮ ‬غير المكتوب الذي فرضته حركة يوليو،‮ ‬تعليم ووظيفة لأولادك مقابل أن تخرس أو تهتف بحمد الله علي ما أنت فيه،‮ ‬فأمريكا بجلالة قدرها لا تعلم شعبها بالمجان لذلك قلنا لها أن تشرب من البحر أو تذهب إلي الجحيم‮. ‬

طبعا أصبحت مدارسنا بلا فناء أو حديقة،‮ ‬بلا معامل أو ملاعب أو حجرة موسيقي أو رسم أو مسارح‮. ‬لكن ظلت عليها لافتة مدرسة،‮ ‬فكل هذا لا يدخل في نطاق التعليم الثوري،‮ ‬ولا علاقة له بالعلوم و المعارف و اسأل الأخوان المسلمين أصدقاء الصاغ‮ ‬كمال الدين حسين أول وزير تعليم بعد طه حسين،‮ ‬وبعدين عايزين كل ده بلوشي؟

ضمن الوظائف التي توزعها الحكومة وظيفة مدرس،‮ ‬فكيف يمكن لهذا المدرس أن يحبب تلامذته في العلم والمعرفة عن طريق العصا؟،‮ ‬قالك ما هي دي بقي التربية التي هي رفيقة التعليم‮. ‬ الضرب يجبر المسجون علي تنظيف المراحيض فيتعلم كيف ينظفها في أسرع وقت،‮ ‬و لا يعلمه شيئا أكثر من هذا،‮ ‬اللهم أن يعلم نفسه أن يغش إذا استطاع سبيلا ليتحايل علي الأوامر،‮ ‬تماما كما يفعل تلاميذنا‮. ‬

هذا هو المنهج الذي لا يريد الوزير تغييره،‮ ‬ولا بد أنه قد تعلم عن طريق منهج الحفظ والتلقين بالعصا،‮ ‬واللي تعرفه أحسن من اللي ماتعرفوش‮. ‬

التعليم يجعل المرء يحب المعرفة ليبحث عنها بنفسه طيلة عمره فيصبح مؤهلا أن يكتشف ويخترع ويبدع ليضيف إلي العلم الذي تعلمه‮. ‬أو علي الأقل يجيد استخدام تطبيقاته في عمل‮ ‬ما،‮ ‬وهذا هو المنهج الذي لا يريد الوزير أن يتعلمه التلاميذ أو المدرسون‮!. ‬

يصبح المدرس محترما عندما يبهر التلميذ بعلمه لا أن يرغمه علي التعلم بالعصا،‮ ‬فالحيوانات تتعلم أو بمعني أدق تروض عن طريق ضربها بالعصا‮. ‬

لا معني لحفظ المعلومات في عصر الشبكة العنكبوتية التي تمدنا بالمعلومات عن أي شيء في لحظات،‮ ‬أما دور المدرس فهو أن يكون قدوة لتلاميذه يحبب لهم ربط المعلومات ببعض لا رصها تحت بعض،‮ ‬المدرس يصبح محترما عندما لا يمد يده ليأخذ نقودا من تلميذه،‮ ‬وضبط الفصل الدراسي ليس مهمته وإنما مهمة الموظفين بإدارة المدرسة،‮ ‬ولا يتم الضبط والربط بالعصا وإنما بتفعيل القوانين التي تراعي حقوق وواجبات التلميذ لأنه سيصادف هذا عندما يكبر،‮ ‬فلا يخالف النظام ولا يقبل أن يضربه الشاويش في قسم الشرطة‮. ‬

يصبح المدرس محترما عندما يكون قدوة،‮ ‬ليس لأنه يعرف أكثر من تلاميذه،‮ ‬بل علي العكس يظهر تواضعه لأنه يعرف القليل من بحر العلم كملايين الناس ولذلك يجتهد كل يوم‮ ‬ليعرف أكثر‮.

‬ غاية التعليم هي تعليم التلاميذ الشغف بالمعرفة في حد ذاتها،‮ ‬أن يسألوا دائما وأن يبحثوا بأنفسهم وأن يفكروا وأن يجدوا في هذا متعة يطلبونها كأنها نوع من اللعب والرياضة والهوايات التي يجب أن يمارسوها أيضا في مدرستهم‮. ‬

دور المعلم التربوي إعطاء النموذج بمظهره وسلوكه وألفاظه وبشاشته وثقته بنفسه وتقديم النصائح كمقترحات لا أوامر وتشجيع الطالب علي الثقة في نفسه وتأكيد ذاته والتعبير عنها‮. ‬

المدرسة تعلم النظام إذا كانت هي نفسها منظمة،‮ ‬وتعطي العلم إذا كان من يقومون به ممن حصلوا علما بالفعل‮! ‬لتصبح المكان الذي يهرب الطلاب إليه لا أن يهربوا منه‮.

‬ بالطبع عيوب أولياء الأمور تنعكس‮ ‬في تربيتهم لأولادهم،‮ ‬لكن‮ ‬منظومة التعليم هي المسئولة عن تصحيح الأوضاع وذلك بتغيير مناهجها السقيمة الفاشلة،‮ ‬وعن طريق كوادر جديدة من المدرسين،‮ ‬يضع لهم المناهج خبراء من المثقفين والمفكرين لا ممن نسميهم بخبراء التعليم الذين تلقوا تعليمهم في مدارس وجامعات الصاغ‮ ‬كمال الدين حسين وكانوا سببا فيما نحن فيه،‮ ‬التربية علم والتعليم علم،‮ ‬فلا عيب أن نطلع علي أحدث المناهج والنظم لخلق جيل جديد من المدرسين يتعلمونها أولا حتي يصبحوا أكفاء لهذه المناهج،‮ ‬وكما دعا الرئيس مبارك في أول عهده إلي مؤتمر للاقتصاد المصري،‮ ‬يجب الدعوة إلي مؤتمر للتعليم لا يضم رجاله وحدهم،‮ ‬والقضاء علي الدروس الخصوصية يكون بزيادة راتب المعلم المثقف ويمكن توفيرها من رسوم يدفعها أولياء الأمور بدلا من أن يأخذها المدرس من يد تلاميذه‮. ‬

المدرسة يجب أن تكون مجتمعا صغيرا يشعر فيه الطلبة بأنه أسرتهم الثانية داخل‮ ‬الأسرة الأكبر وهي الوطن،‮ ‬وأول ما يدرسه فيها قوانين حقوق الإنسان والمواطنة والمرأة والطفل وحرية الرأي والاعتقاد والتسامح ونبذ العنف والتعصب والعنصرية،‮ ‬لا كنصوص في كتاب المطالعة ولكن كجو عام وسلوك يومي يسود كل نشاطات المدرسة‮. ‬

كلنا شركاء في هذا الهم،‮ ‬هم عدم التربية وعدم التعليم‮. ‬

أما إذا كان ولا بد من العصا،‮ ‬فالسؤال هو‮: ‬العصا لمن؟‮! ‬

الإجابة متروكة لفطنة القارئ‮!. ‬

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
lenin elramly ◄Design by Pocket, BlogBulk Blogger Templates