
عرف الغرب ما يسمي بعلم الاستشراق وهي الدراسات والأبحاث التي تحاول أن تعرف وترصد وتسجل أحوال الشرق في كل المجالات.
وبالطبع استفاد الاستعمار الغربي من هذه العلوم وهو يشرع في احتلال بلاد الشرق عملا بالقول الشهير (اعرف عدوك) أو أنك إذا عرفت لغة قوم ملكتهم أو اتقيت شرهم. وهو ما عملت البلاد العربية في صراعها مع إسرائيل علي تجنبه وعمل عكسه كأنها لا تحتاج إلي ذلك.
إما لأنها تعرف عدوها جيدًا! وإما لأنها لا تريد أن تعرفه لكونه عدوها ولكنها فقط تريد أن تهزمه!. ورغم أنه لم يتحقق ذلك حتي الآن لكنها مازالت ثابتة لا تتزحزح عن موقفها.
وخسر فاروق حسني معركة اليونسكو في مصر عندما أتهم بأن وزارة الثقافة تطبع ترجمات لكتب إسرائيلية.يا للهول!.في حين تترجم إسرائيل كتبنا إلي لغتها بلا استئذان. وبلا اتهام من مواطنيهم بأن الكتب العربية ستهدم ثقافتهم.
وأغلب المثقفين عندنا ينظرون للاستشراق بنظرية المؤامرة. فيرون فيه مجرد وسيلة تساعد الغرب علي استعمار الشرق و تمهد للسيطرة عليه.
وهنا نجد أنفسنا أمام السؤال المنطقي. وهو لماذا لا نستخدم نفس الوسيلة لنقاوم هذا الاستعمار وهذه السيطرة فنحاول معرفة أحوال الغرب في كل المجالات؟
أبادر بسرعة وأدفع عن نفسي تهمة الدعوة لهذا!. فهي فكرة البعض الذين دعوا لعلم جديد أطلقوا عليه علم الاستغراب مقابل علم الاستشراق!.
بداية أظن أننا جميعا نتفق أن الاستغراب لا يمهد لكي نستعمر الغرب أو نسيطر عليه لأننا بطبعنا ضد الأذية!. ولكن هذا يدفعنا عندئذ لأن نراجع نظرية ربط الاستشراق بالاستعمار فقط .
فنحن ما زلنا نربط بين البحث والمعرفة بضرورة وجود هدف نفعي محدد.
حقا إن (الحاجة أم الاختراع) لكن هذا كان قبل اكتشاف أن المعرفة مطلوبة لذاتها، وليس فقط حين تواجهنا مشكلة فتجبرنا أن نتحرك لمعرفة أسبابها أو معرفة وسيلة لحلها. فالانطلاق للبحث وجني المعرفة بغض النظر عن أي مشكلة وأي فائدة أدت.. ولسوف تؤدي إلي اختراعات لم تكن علي البال. إذ عندما نكتشف خواص أي مادة مثلا نبدأ نفكر في استغلال هذه الخواص في ابتكار شيء جديد. بحث التربة بلا هدف يجعلك تكتشف أن البترول يشتعل وعندئذ تخترع الأساليب لاستخراجه وتكريره ونقله الخ.
جاءت الحلمة الفرنسية لمصر وبعد أن احتلتنا بالفعل- وليس قبلها- دأب العلماء الذين جاءوا معها علي فحص ورصد ما وجدوه من نبات وحيوان وبشر وأحجار وقيدوا كل ذلك وحرصوا علي وصفه وقياسه وصوروه بالرسم لأن الكاميرا الفوتوغرافية لم تكن قد اخترعت.
ونقلوا بالرسم الكتابة الهيروغليفية ولم يكونوا قد فهموا معانيها وطبعوا كل ذلك في عدة مجلدات تحت اسم (وصف مصر) لم يحفظوها في مبني الاستخبارات الفرنسية بل كانت في متناول الجميع وفيما بعد ترجمنا كتب العدو هذه إلي العربية. يا عيب الشوم!.
ويري بعض مثقفينا هدفا ثانيا للاستشراق بكونه وسيلة لإقناعنا بأنهم أكثر تقدما منا.
(كأنهم في حاجة إلي إثبات ذلك)!. وكأن العالم كله وليس الغرب وحده لا يلاحظ تخلفنا مع تقوقعنا داخل أنفسنا ورؤيتنا التي تتلخص في أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان.. أو سيكون.
فإذا نظرنا إلي من يدعوننا اليوم إلي الاستغراب لمواجهة الاستشراق سنجده أولا محاولة تقليد للغرب كرد فعل!.
ثانيا: هو محاولة للرد عليه أكثر من الوصول إلي فهم أكثر لهم أو لأنفسنا.
لا يقصد منه معرفة الغرب بقدر ما يقصد به تصحيح مفاهيم الغرب عنا وإن شئنا الدقة هو تكذيب مفاهيمهم عنا.وهو خطاب نحدث به أنفسنا أكثر من الآخر.
بينما نحن أحوج ما نكون لأن ندرس ما حدث في المجتمعات الغربية لا تاريخهم وجغرافيتهم ولا سياستهم ونظمهم فحسب, ولكن أيضا وبالأساس تطور منهج التفكير عندهم.والتفكير العلمي علي وجه الخصوص والذي مكنهم من تحقيق طفرة إلي الإمام في كل المجالات.
يبدأ علم الاستغراب المقترح عندنا بوضع الشرق كله في مواجهة الغرب كله.
أما الشرق المقصود فهو البلاد العربية. فمالنا نحن والصين والهند واليابان الخ؟.
هل يقع هؤلاء البشر الذين يمثلون أغلبية الشرق في الشرق؟!.
هل لهم حضارة ترتقي لحضارتنا؟!. أم يجوز أن نخرجهم من الشرق لأنهم يبدو وكأنهم ارتموا في أحضان الغرب وأخذوا بأساليبهم في البحث والتفكير والعمل؟. عموما فمادام قد حققوا بعض التقدم يصبح أمرهم مشكوكا فيه وبناء عليه فهم ليسوا منا نحن أهل الشرق!.
الشرق الذي هو نحن يضم البلاد العربية فقط. والمقصود بالعربية هو كل بلد فتحه العرب فصار عربيا. ولم تعد لبلاده المختلفة أية خصوصية أو حضارة قبل ذلك.
الغرب يقول إنه استمد جذور حضارته من الحضارة الإغريقية. ثم بدأ يكتشف حديثا أن هذه الحضارة الإغريقية بنيت علي أساس سبقها هو الحضارة المصرية القديمة. أما الاستغراب فيقول إن الشرق يستمد جذوره مما يسمي بالحضارة العربية التي لا علاقة لها بأي حضارة سبقتها و إلا فقدت تميزها وتفردها عن العالم أجمع. والأصح أن نسمي هذا العلم.. بالاستعراب!.
فالاستعراب هو ما يؤكد حضارتنا العربية الآخذة في الانتشار حتي أنها عمت الصين فأصبحت تصنع سجادة الصلاة والسبح والجلباب الشرعي وفانوس رمضان وعروسة المولد وفي سبيلها لتصنيع زبيبة الصلاة بعد غشاء البكارة الصناعي وتصدر لنا كل هذا بأرخص الأسعار!
0 التعليقات:
إرسال تعليق