15‏/07‏/2010

لا تغضب يا جميل!

15‏/07‏/2010

كتب لينين الرملي


فلان كالأسد. والأسد أقوي الحيوانات. زئيره إذا غضب يخلع القلوب.

فمن لا يرغب أن يكون أسدا؟.ومن لا ترغب أن تكون زوجة لأسد؟!.

لا تعجبنا عيشتنا. ومتي كانت تعجبنا؟!. معظم الناس يشعرون بالغضب من حكوماتنا وحكومات العالم التي تتآمر علينا, ومن أهل بيتنا وجيراننا والمارة في الشوارع!.

في مرحلة الثورة المباركة ظل رئيسنا يدعونا للغضب. تشجعنا عليه الأناشيد والأفلام والمقالات النارية.نقيس قوتنا بحجم الغضب في صدورنا الذي يفجر فينا طاقة العدوان لنواجه بها الأعداء.

حياتنا منذ ولادتنا وحتي نموت مليئة بالأسباب التي تدعونا للغضب

فنلبس جميعا ثياب الأسد ونرضع أشبالنا لبن الغضب. ننسي في خضم البلاغة التي نسبح في مياهها أن الأسد حيوان وأننا بشر. وأن الأسد مهما علا زئيره فمصيره إلي قفص!. لم يحبس فيه نتيجة لغضبنا عليه ولكن لإعمال عقلنا. وإعمال العقل يتطلب التفكير بهدوء لنتأمل ونتبصر. بينما الغضب يعمي البصيرة.

عاشت منطقتنا الحزن والألم والخوف والإحساس بالمهانة والضعف والظلم تحت الاحتلال. لذلك كان الثوريون يدعوننا إلي الغضب لقتل الأعداء. ثم زال الاحتلال إلا بعض أجزاء .لكننا مازلنا ندعو للغضب. الغضب من كل شيء وأتفه شيء.

نختلف في ندوة أو مؤتمر أو فضائية فنصرخ ونتبادل السباب والوعيد خاصة إذا كنا نوابا بمجلس الشعب!.

فإذا اتفقنا في الرأي خرجنا في مظاهرات عارمة نزأر بأعلي ما في حناجرنا نسب ونتوعد إسرائيل وأمريكا والغرب أو ندافع عن النقاب ومكارم الأخلاق. أو نصب الغضب علي حكوماتنا من أجل شعبنا المهضومة حقوقه. وقبل أي مظاهرة وبعدها نصب غضبنا علي بعضنا البعض مع أن كل منا يعتبر نفسه من هذا الشعب المظلوم!.

أما الغضب علي أنفسنا فلا نعرفه. كأن المظلوم لا يخطئ ! وكأن المحتلة أرضه لا يخطئ. الغضب يعني الكرامة وعزة النفس. لكن مجرد الغضب وحده قد يعني أننا ضعفاء وعاجزون بل وخائبون كالأسد الهصور ..في داخل القفص!.

قوتنا في عقلنا لكننا نفضل أن نشبه أنفسنا بالحيوان في غضبه وتوحشه أي في اللحظة التي تسبق دخوله القفص.

منذ أيام نظرت محكمة قضية طبيب غدد صماء غضب علي شريكه في خلاف بينهما علي تجارة فقطع جسده بمنشار وأحرقه. أي لم يكتف بالزئير كالأسد بل افترس غريمه وانتهي أمره بدخول القفص وعوقب بالإعدام.

كما أن الحب أعمي. لأن مشاعر المحب الجميلة تجعله يعمي عن عيوب المحبوب. فالغضب أعمي. يعمي صاحبه عن إعمال عقله ويكتفي بإرضاء مشاعر الكراهية تجاه خصمه .عشنا ومازلنا نظن الغضب الوقود الوحيد للثورة والتحرر. وأن بركان الغضب الساطع آت ليدمر عدونا.

لكن بنظرة لتاريخ المنطقة خالية من الأناشيد التي شجعنا بها أنفسنا نجد أن معظم حركات التحرر لم يصنعها مجرد الغضب ولكن صنعتها ظروف دولية خدمتها بالإضافة إلي مفاوضات قدمت فيها بعض التنازلات وأغلبها مرحلية مؤقتة.

أما قضية فلسطين فلم تتقدم خطوة بل تتراجع كلما مر الوقت رغم أنها القضية التي يغضب من أجلها الشعب العربي والأمة الإسلامية جمعاء.. جمعاء!. فهل حجم الغضب العربي لا يكفي؟!


العكس هو الصحيح . فلا يوجد إلا الغضب. وهو لا يحل المشكلة إذا لم يتحول إلي حساب هادئ وعلمي وعملي وتخطيط . نحتاج إلي غضب يثير طاقات إبداعية لحل المشكلة وليس مجرد الاندفاع نحو العدو بصدور شبه عارية. يجمع العرب أن الإسرائيلي يتميز بالجبن و العرب يتحلون بالشجاعة. (فن الحرب إحنا بدعناه) لكنهم لا يسألون أنفسهم لماذا لا ينتصر أسد العروبة علي الجبان؟

الغضب أسهل والتفكير هو الأصعب.الغضب يجعلك تواجه العنف بالعنف مع أن سلاحك أضعف وبدلا من إعمال العقل تلجأ إلي الأناشيد الحماسية. ولهذا فنتيجة أي معركة قادمة هي نفسها النتيجة السابقة. بينما لا تستخدم إسرائيل العنف وحده. ولا تستخدمه إلا إذا ضمنت النصر. يجمع العرب أن مشروع إقامة دولة إسرائيل بدأ منذ سنوات بعيدة وقد اتضح لهم هذا المخطط منذ ستة عقود فما هو المشروع العربي لمواجهته غير الغضب الساطع في أغانينا وخطبنا وسلاح عدم التطبيع الذي ننفذه منذ حرب 48 وأثبت فعالية كما تري.؟! شعارنا كل شيء أو لا شيء أو هو شعار الحزب الوطني القديم (لا مفاوضات إلا بعد الجلاء) الذي يناقض نفسه فلا مبرر للمفاوضة إذا تم الجلاء. ولم يأخذ به عبد الناصر فحصل علي الجلاء بعد مفاوضات قبل فيها شروطا رفضها النحاس وخلفه الشعب المصري كله!.

الشعب العربي غاضب. وكذلك بن لادن الذي يهدم أكثر ويقتل أكثر ولكنه أيضا لم يحقق شيئا ولا ينتظر. الأسد في كل من إيران وحزب الله يزأر ولم يحقق شيئا ولا ينتظر. الأسد في سوريا منذ أربعة عقود يعلن غضبه ولم يحرر شبرا من الجولان ولا ينتظر.

في مصر مظاهرات غاضبة تطالب بالتغيير لكنها لا تطالب بالتفكير ولا تغير أساليبها ,ولا تقبل بالآخر. تثور الطبيعة أحيانا فتهب العواصف وتقع الزلازل والبراكين والحرائق وتحصد الأرواح وتهدم ما نبنيه. فماذا يفيد الإنسان إذا غضب علي الطبيعة وزأر في وجهها؟

راح نوع من البشر يدرس ظواهر الطبيعة فيستنبت طرقا للتنبؤ بها ليحتاط لها. ونظما لتحجيم أضرارها.

تصور أن نصرخ (تسقط الطبيعة القاتلة) ونغني الأناشيد ضدها!

نحن نفعل أسوأ من هذا. في إيران أفتي رجل دين مؤخرا بأن الزلازل تقع بسبب العلاقات الجنسية غير الشرعية وملابس النساء القصيرة.

وعندنا هب بعض المحامين يرفعون القضايا لمصادرة كتاب ألف ليلة وليلة.

إلي كل ثوري حنجوري عبقري: لا تغضب أيها الجميل احتفظ بعقلك هادئا لتفكر في حلول تساعدنا يمكن أن تقنعنا ويمكن تنفيذها اليوم أو غدا أو بعد سنين..... بشرط أن تحدد عددها!.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
lenin elramly ◄Design by Pocket, BlogBulk Blogger Templates