لينين الرملي
خطرت لي فكرة مسرحية (أهلا يا بكوات) في أغسطس 1982ولم يكن حسني مبارك قد أكمل عامه الثاني في الحكم. الفكرة تحكي عن زميلي دراسة.(محمود) فنان وشاعر فقير و(برهان) رجل علم, عمل في بلاد الخليج وكون ثروة. شعر محمود برعب بعد قراءة كتاب يرسم صورة مذهلة لمستقبل العالم فجاء يسأل برهان كيف سيكون حال مصر
في هذا المستقبل. وصدمه برهان بأنه قرأ الكتاب منذ صدوره في الستينيات لكنه لا يشعر بالقلق فقد ضمن أوضاعه الشخصية. وبينما يتناقشان اهتزت الأرض وهبت عاصفة صفراء وخيل إليهم أن الموتى يخرجون كالأشباح من القبور وبعدها عم الظلام.
أفاق الاثنان ليجدا نفيسهما في مصر قبل دخول الحملة الفرنسية بسنوات قليلة.
استراب أهل الماضي من هيئتهما فهما لا يلبسان الجلباب وإنما البنطلون وليس لهما لحي أو شوارب وكلامهما غريب غير مفهوم وكأنها من الفرنجة الكفار. (الليبراليين في المصطلح الحالي) وشرع الرجل الذي عثر عليهما في بيعهما كعبيد. لأحد المشايخ.لكن الأمر وصل لمراد بك حاكم الجيزة. وخطر لمحمود أن يحاول تغيير التاريخ المعروف بأن يكشف له المستقبل القريب لعله يأخذ الحذر ويعد العدة له, فظنه من المنجمين الذين يقرأون الطالع وسارع برهان يؤمن علي هذا ولكنه راح يحكي له تاريخا مزيفا متنبئا له بكل ما يرضي غروره فنال الحظوة عنده بينما سجن محمود بدعوى أن حديثه محض خرافات!. كيف برهان نفسه مع أوضاعهم فارتدي ملابسهم وأطلق لحيته وحف شاربه واقتني العبيد وتزوج من أربع نساء. لكن أمره انكشف في النهاية بأنه غريب عنهم فسجن بدوره, عندما كان جنود الحملة الفرنسية يعزفون نشيدهم في طريقهم لاحتلال القاهرة.
ثم أفاق كلاهما وعادا إلي الحاضر فمشي محمود يهذي في الطريق ينبه الناس إلي ضرورة الاستعداد للمستقبل بالتسلح بالعلم والتعليم,بينما رشح برهان نفسه في انتخابات مجلس الشعب وسمي نفسه (برهان الدين) واستأجر من يحمله علي أكتافه ويهتف له ليتبعه الناس (تنتخبوا مين؟ وحبيبكم مين؟ برهان الدين) وراح محمود يسأل (هل عاد نفس المستقبل يتكرر؟ كيف والحاضر لم يبدأ بعد؟). وبينما الشرطي يجذبه لحبسه مع المجانين ,يبدأ هبوط ستار النهاية يحاول محمود منع إغلاقها بيديه صارخا ومواصلا هذيانه (لا.. أيها المستقبل تمهل، فنحن لم ننجز شيئًا بعد ولم نستعد، أيها المستقبل تمهل حتى نلحق بك.. لا تأت إلينا الآن.. تمهل.. تمهل..).
عرضت المسرحية في يناير 1988 ونجحت جماهيريا وعرضت في أسيوط وقت استفحال الإرهاب.وأعلنت الصحف أن مبارك سيحضرها دون ذكر اسمها تحديدا.
لكن الذي حضر عاطف صدقي رئيس الوزراء وقتها. وفي استراحة الفصل الأول شد علي يدي يهنئني بحرارة ثم قال (خلي بالك من نفسك)!! ولم أعرف كيف أفعل ذلك!.ولكن الإرهاب حاول اغتياله هو نفسه فقتل طفلة بريئة وحاول قتل الكثيرين , من الكتاب منهم نجيب محفوظ فأصاب يده بالشلل لكنه استمر يكتب. ونجح في طرد نصر حامد أبو زيد من مصر واغتيال فرج فودة الذي تهرب مبارك من الوقوف دقيقة حدادا عليه عندما دعي إلي ذلك في معرض الكتاب.وجاء للمسرح رسائل تهديد لنجومها حسين فهمي وعزت العلايلي. وتعرض مبارك لثلاث محاولات اغتيال رغم تهربه من الحداد وحضوره المسرحية! أما المحرضون علي هذه الجرائم فمازالوا يعيشون بيننا يقودون ثورة 25 يناير الديمقراطية!.
ما أشبه اليوم بالبارحة وقد أصبحت رسائل التهديد علنية صريحة أو مستترة في الصحف وقنوات التليفزيون والشوارع والجوامع والبرامج الانتخابية؟. ورغم ذلك يقال لنا إن هذه هي الديمقراطية التي يعرفها جيدا المجلس العسكري والتيارات السلفية بأنواعها وهي نفس ديمقراطية أتباع شهيدهم بن لادن وإيران وحماس وسوريا التي تقود الممانعة وتباركها أمريكا زعيمة الديمقراطية وقد اتفقوا جميعا علي كلمة سواء!.
أهلا بديمقراطية البكوات. ونحن في انتظار تنفيذهم لرسائل التهديد, حقا لكل أجل كتاب. وحقا يدركنا الموت ولو كنا في بروح مشيدة, ولكنهم أعلم.لذلك يحتكرون الفتوى في حياتنا ومصائرنا ولا تخرج من أفواههم كلمة (والله أعلم). وهذا قدرنا لأننا نعيش الماضي بينما المستقبل لم يأت بعد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق