27‏/12‏/2011

مدونتي الأولي

27‏/12‏/2011

كتب لينين الرملي

منذ عدة عقود توسع دعم الحكومة للخبز وبعض السلع وامتد ليشمل أغلب نواحي الحياة.. تكررت عبارة كذا لكل مواطن في مقالات وتحقيقات صحفنا.. وكان لي مسرحية بعنوان «عفريت لكل مواطن» فنحن مغرمون بالعفاريت فلم لا تصرف الحكومة عفريتا لكل مواطن يحقق له احتياجاته وأحلامه فترفع هذا العبء عن كاهلها مرة واحدة؟.

لكن الحكومة تولت بنفسها دور العفريت الذي يلبي احتياجات الناس بأسرع الطرق.. في مجال التعليم مثلا تعهدت بإعطاء شهادة لكل مواطن سواء تعلم أم لا.. ووظيفة لكل مواطن سواء عمل أو لم يعمل.. ولما كانت الحياة ليست مجرد الخبز والوظيفة فقد امتد نشاطها لتدعم المواطن لتحقيق ذاته.. فإذا أراد مثلا أن يكون شاعرا أو روائيا أو موسيقيا أو حتي مطربا لا تعمل لتهيئ له المناخ الذي يساعده ليكون هذا أو ذاك ولكن تلجأ إلي طريق أقصر فالشاعر أو الأديب يمكن أن يصبح كذلك إذا صدرت له رواية أو نشر قصيدة في مجلة والموسيقي هو من وظف عازفا أو لحن أغنية في أي مناسبة والمطرب هو من غني أمام كاميرات التليفزيون في برنامج أو غني في الحمام بشرط أن يكون تابعا لأي جهة حكومية!

وهكذا تصدر آلاف الكتب من دور نشر الحكومة المختلفة لروائيين وقصاصين وشعراء وكتاب خواطر أو لطائف وظرائف وأي شيء يخطر علي البال.. باختصار كتاب من تأليف كل مواطن.. لم تكن المشكلة في الواسطة أو المحسوبية المنتشرة في أي قطاع.. فهنا النشر حق لكل المواطنين كل في دوره.. وليست المشكلة في إهدار المال العام بالملايين فهو لا يقاس بإهداره بالمليارات في مجالات أخري.

لكن المشكلة في اختلاط الحابل بالنابل.. فمن يستطيع قراءة كل هذا الكم من كتب لا تستحق القراءة؟.. وكيف يفرز من بينها الغث من السمين أو حتي ما يستحق التشجيع.. وكيف لمن يقرأها أن يمنع نفسه من القول (إذا كانت الحكاية كده. طب ما أنا أقدر أعمل أحسن من كده)؟.. ربما النقد يستطيع الفرز، لكن نفس الشيء حصل في النقد كما في غيره كالأبحاث والدراسات الأدبية والعلمية إلخ.. وكيف لا يشعر أي شخص نشر له أي شيء لمرة واحدة بالغضب إذا لم ينشر له العمل الثاني والثالث؟ فيعلن في كل الدنيا أنه أديب أو فنان مضطهد تحاربه السلطة. وهكذا أصبحت هناك طوابير علي النشر أسوأ من زحام طوابير العيش.. وكانت النتيجة أن ضاع الصالح.. وسط الطالح.. ولم يقبل القراء علي القراءة وإنما أقبلوا علي الكتابة.. وعادت كل هذه المنشورات إلي المخازن وبدلا من اكتشاف أجيال جديدة من المبدعين.. استقر الرأي أن نهر الإبداع توقف جريان المياه به.

وكما كثر عدد المتعلمين (بشهادة الحكومة فقط) والمبدعين بشهادتها هي أيضا فقط.. أتاحت التكنولوجيا فرصة عظيمة أمام كل المواطنين بلا استثناء وبالمعني الحرفي للكلمة ليصبحوا ما يريدون.. كتابا ووعاظا وشعراء وسياسيين ومفكرين.

هذه التكنولوجيا هي الشبكة العنكبوتية التي أتاحت لكل البشر أن يكتبوا ويطبعوا وينشروا كلماتهم ويرسلوها في نفس اللحظة لأعداد كبيرة من الناس.

لم يعد المواطن اليوم يقنع أن تطبع له الجهات الحكومية نصيبه من الكتب.. كل شاب تحول إلي صاحب مدونة هي كالجريدة يرأس تحريرها وحده أو يضم لها البعض.. ينشر فيها كل ما عن له من معلومات خاطئة بلغة خاطئة لا يراجعه فيها أحد.. يكتب فيفتي ويسب ويقذف براحته وعادة يكتب في المكتوب.. أي يعيد إنتاج ما يطالعه بالصحف أو القليل من الكتب أو سمعه من إمام الجامع لكنه يمهره باسمه كما لو أنه اخترعه.. ثم يصدق نفسه.. وكما تنتشر الأوبئة بالعدوي انتشر تبادل الجهل والركاكة وجنون العظمة.. ومعظم الآراء تتشابه كأن كل مدون يريد أن يقول.. أنا أيضا أعرف هذا.. والطريف أنها تفضح مؤامرات الغرب ضدنا من خلال وسيلة اخترعها الغرب.. لا يختلفون كثيرا عما يفعله بن لادن وأتباعه.. فالأول ينشر الإرهاب علي النت وهؤلاء ينشرون الجهل وهو الترعة التي تنمو فيها قواقع الإرهاب والتعصب والعنصرية والتفاهة.

عندما كنت طفلا كنت أظن أن الحرف المطبوع يعني الحقيقة.. لا لشيء إلا أنه تميز عن الحرف المكتوب بالحبر أو القلم الرصاص الذي يكتب به الجميع.. مما يعني أنه يستحق نشره بين الناس.. وتزداد قيمته إذا كان في منشورات سرية تخفي بعيدا عن عيون الحكومة.. وذلك لأني كنت أقرأ نوعية واحدة تقريبا من الصحف أو الكتب.. ثم أدركت أن الحرف المطبوع قد يكون علي العكس تماما ينشر الأكاذيب والخرافات والمغالاطات ولو من وجهة نظري أنا.. ثم تعلمت أن الخلاف لا يخيف وإنما إجماع الآراء علي أمر هو ما يخيف.. لأن هذا لا يضمن صوابه.. راجع كم من السنين عاش الإنسان يعبد أصناما صنعها بيديه أو بخياله.. وكم عاش يظن وما زال أن الأرض مستوية تدور حولها الشمس والنجوم والكواكب. القلة هي ما تفتح النت لتبحث عن معلومة صحيحة أو أي جانب معرفي.. والأغلبية هي التي تنفس عما في صدرها من ضيق وإحباط فتشعر بالرضا عن نفسها وبأنها أدت رسالتها.. وبعد أن كنا نحتار لنختار بضع كتب وسط آلاف الكتب.. أصبحنا نحتار بين ملايين المدونات علي النت.. ولا شك أن بينها ما يستحق القراءة لكن من المستحيل أن تميزها.. الآن أصبح عندنا مدونة لكل مواطن وهذه هي مدونتي الأولي.. ولا أرحب بأي تعليقات فأنا مشغول الآن بمدونتي الثانية.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
lenin elramly ◄Design by Pocket, BlogBulk Blogger Templates