
|
|
كتب لينين الرملي
رمضان عندنا شهر العبادة والصوم والزكاة وفي نفس
الوقت شهر الإعلانات والنصب باسم المسابقات وبرامج الاستظراف وموائد الرحمن التي يتخلف عنها قذارة الشوارع والأرصفة، وعند البعض هو من الأشهر الحرم التي يمسك فيها عن العمل! ثم هو الموسم الكبير للتسول! والاثنان وجهان لعملة واحدة. فالمتسول لا يعمل ويأخذ ممن يعمل. والموظف الذي لا يعمل يأخذ أجرا لا يستحقه.
المتسول قد لا يجد قوت يومه. أو يجد هذا أسهل من أن يعمل عند أحد. يجمع القروش القليلة آخر النهار، فإذا بها عشرات الجنيهات, ينفق منها القليل، فقد تسول أيضا الملبس والمأكل ثم يحتفظ بالباقي. بمرور الوقت تتحول الجنيهات إلي مئات الألوف. يخبئها في صفائح صدئة أو بلاليص مش. لا يفكر أن يفعل أي شيء آخر، فهو لم يعرف ماذا يفعل بحياته غير تكديس النقود، فاستغلالها في عمل أو حتي تحسين مظهره فيه خراب بيته، لأنه لن يجد بعدها من يحسن إليه. وأخيرا يموت تاركا ما ادخره. وهكذا عاش فقيرا ومات فقيرا.
القانون يجرم التسول. ولكن التسول شغال علي ودنه بجميع الأساليب.
القانون لا يجرم عمليات كثيرة تحقق ثروات ضخمة من المضاربة في البورصة إلي الأعمال التجارية والمؤسسات الصناعية والزراعية والعقارات إلخ. وبالطبع يتمتع كل الأثرياء الذين يقومون بهذه الأعمال بالذكاء والجرأة والصبر والتعرض للمخاطر، وإلا لما وصلوا للثراء، وهم يشغلون ملايين العمال والموظفين والفنانين والعلماء والمهندسين والأطباء والكتبة، لكن ذكاءهم لا يفوق ذكاء عصابات المافيا أو تجار السلاح وتجار الدعارة واللصوص والمختلسين والمبتزين والمقامرين والقتلة والجماعات الإرهابية، وكلها تشغل الملايين أيضا وتحقق ثروات ضخمة رغم أن القوانين تجرمها. وأيضا الإجرام شغال علي ودنه ومعظمهم يفلت من العقاب.
سواء كان الأثرياء من الفئة الأولي التي تعمل بالحلال أو الثانية التي تعمل في الحرام فهم جميعا يكنزون الأموال في البنوك وغيرها من الأصول ويموتون تاركين ثرواتهم عند باب القبر.
فكما أن المتسول الفقير لم يعرف من الحياة إلا طلب المزيد من المال واكتنازه. لم يعرف الثري إلا نفس الشيء، ربما يكون متخرجا في كبري الجامعات (في الخارج طبعا) لكنه علي هذا النحو يعيش جاهلا ويموت جاهلا. (وماله ؟ جاهل.. جاهل بس أعيش غني). الرد بليغ وقد يبدو واقعيا، فالغني يأخذ طائرته الخاصة ليحصل علي أفضل علاج ويشتري كلية وكبد وقرنية وقلب لجسده إذا اعتل، ويتمتع بالنفوذ واحترام الناس وحبهم وقد يعمل بالسياسة والكل يخدمه فيوفر جهده ووقته ويصبح ديناصورا.
ولكن العالم مليء بالديناصورات الذين يعملون بالحلال و الحرام. وهو مضطر أن ينافسهم ليكسب أكثر منهم أو يدافع عن نفسه حتي يأكلهم قبل أن يأكلوه، والناس في الحقيقة لا يحبونه وإنما يرهبونه فينافقونه وهم يحسدونه ويشمتون فيه إذا وقع، وفي هذه المعركة قد يضطر أن يتنازل عن كبريائه وعن أشياء كثيرة حتي لا يخسر بعض أمواله أو كي يزيدها ..ومثلهم السائر البحر يحب الزيادة.
التسول إغراء وكذلك الثروة. كالخمر، قد يصبح إغراءا يشربه بعض الناس فيغريهم بالمزيد من الشرب حتي الثمالة فيتطوح السكير صائحا بنشوة (هيه أنا جدع). وهكذا يتطوح البعض قائلين (هيه أنا ملياردير.. أو أنا متسول)!
والثروة إغراء كإغراء الشباب الذي يجعل بعضهم يندفع ولا يتوخي الحذر فيموتون في الحوادث أكثر من كبار السن. وفي المعركة من أجل المال ولا شيء غير المال يفقد الثري أعصابه وبالتالي صحته ويندفع لشراء كل شيء بالمال، الصحة والنقود والسمعة والنفوذ والحب ويظن أنه ذاق طعم الحياة، فالناس تحسده وتهابه وتحقد عليه، بينما لا أحد يحسد أينشتاين مثلا أو ألفريد نوبل. بعض الأثرياء يظن أن الثروة هوية وجنسية بل وطن.
لا هدف لهم إلا جمع المزيد من المال. المال وسيلة لتحقيق الأهداف، فإذا صارت هي الهدف أصبح الأمر مضحكا ومبكيا معا، وعادة مثل هؤلاء يخدعون أنفسهم بالتصالح معها، لا لسبب إلا أنه لا وقت عنده إلا للتفكير في تكديس أموال أكثر. فمتي يجد الوقت ليجلس مع نفسه أو ينظر داخله ؟ وهكذا لا يدرك مدي تفاهته والخواء الذي يسكنه.
في النهاية يموت المتسول ويموت الثري وكل منهما قد عاش فقيرا. يقول المثل ( الفقر ريحته وحشة) وهذا صحيح أحيانا. والثراء كذلك أحيانا.
الفرق أن التسول امرأة قبيحة. بينما الثراء أحيانا ما يكون امرأة جميلة بلهاء..ولا تعرف أنها بلهاء!
أغلب الناس تسخر من قول ( الفلوس مش كل حاجة).
لكن إذا كانت الفلوس هي كل حاجة.
فماذا يكون الإنسان ؟ ولا حاجة؟ الظاهر كده.
اللحم والدجاج والأسماك أغلي سعرا من الإنسان، والبدله الشيك والسيارة الفخمة والملاعق الفضة والكلب اللولو كلها برقبة أي راجل أو ست أو جمع من البشر، هي أشياء في سبيلها نبذل الغالي والرخيص.
طبعا من يفضل المرأة الجميلة البلهاء التي لا تعرف أنها بلهاء ولا يعرف هو أنها بلهاء هو أكثر بلاهة منها ويعيش ويموت ولا يعرف أنه كذلك!
0 التعليقات:
إرسال تعليق