
كتب لينين الرملي
رجل بوجه بائس تعس وعينين دامعتين يقول:
فين الناس؟ هو بقي فيه ناس؟
اللي ما فيهم حد يبل الريق.
اللي ماشيين في الشوارع دول ناس؟
انتو ناس؟.
يا سلام؟
يعني ما فيش ناس غيرك؟
- ومين قال إني أنا ناس؟
الناس كلها زي الوحوش ماشية تنهش في بعض.
يا رب خدني بقي وريحني.
قد تظن أنها صرخة من شاب عاطل لا يجد المأكل
أو الملبس أو حتي المأوي وبالطبع لا يستطيع الزواج.
ولا يعرف كيف يعيش رغم أن الحكومة تدفع المليارات
لتدعم بعض السلع للفقراء أمثاله
والذين تسميهم بالطبقات غير القادرة.
لكنها صرخة من رجل ناضج لم يتزوج بالفعل
ولا يجد المأكل والملبس ولا يجد أي سلعة مدعومة
وهو عاطل حاليا بعد أن فصل من عمله المتواضع
كمدرس بسبب بلادة تلاميذه في فصل لا يضم
كثيرا من طلبة الابتدائي وبسبب أنهم قابلوا
أمانته في عمله بالاستهزاء به.
وقع هذا المشهد من ستة عقود بالتمام والكمال
في فيلم (غزل البنات) الشهير لنجيب الريحاني
الذي شاهدناه جميعا وحفظنا مشاهده.
فما أشبه اليوم بالبارحة رغم تغير الظروف
والأحوال السياسية والاقتصادية أم أنها لم تتغير؟.
فكر معي أو فكر بمفردك.
بالأمس كان هذا هو رأي الفيلم في واقع المجتمع
عشية هزيمة الجيش المصري في فلسطين عام
48 التي دخلناها لنحررها تاركين خلفنا في
الإسماعيلية 80 ألف عسكري بريطاني يحتلوننا!
وكان اسمنا مملكة مصر.
اليوم اسمنا جمهورية مصر العربية بعد أن عشنا
زمنا باسم الجمهورية العربية المتحدة.
بالأمس كان كل السكان يعترفون بأن مشكلتنا
هي الفقر والجهل والمرض, وإن كان بعضهم
يربط هذا بوجود الاستعمار البريطاني.
كان سكانه عندئذ ربع تعداده اليوم.
وكان عدد تلاميذ الفصل ربع تلاميذ اليوم.
ومازالت مشكلتنا الفقر والجهل والمرض
حتي بعد أن رحل الملك والباشوات والاستعمار
والاحتلال الإسرائيلي لسيناء.
كان راتب المدرس بالأمس قليلا مثل اليوم .
ولكنه اليوم يكسب أضعاف راتبه عشر مرات
أو أكثر من الدروس الخصوصية.
بالأمس كان أمينا يعاني من ضعف تلاميذه
علي فهم اللغة العربية ويعاني سخريتهم.
اليوم المدرس أقل أمانة وأكثر جهلا ويعاني التلاميذ
ضعفا أكثر وقد يضربون مدرسهم أو قد يفقع المدرس
عين أحدهم ويسبه بأقذع الألفاظ إذا لم يكن
يأخذ منه دروسا خصوصية.
كان عدد العاطلين كبيرا وهو كذلك اليوم أو أكثر.
كانت الشهادة الجامعية لا تكفي لتكفل لصاحبها
دخلا معقولا أو عيشة متوسطة، ومازالت الشهادة
كذلك وإن ازداد الطلب عليها!
راح العهد البائد وجاء عصر الضباط الأحرار
وقام من بيننا أول رئيس مصري منذ وقت طويل
حسب كتب عبد الناصر مع أنه كان ثاني
رئيس حسب التاريخ الحقيقي.
وبشرنا هذا العهد بالعدالة الاجتماعية ثم بالاشتراكية,
وبشرنا بالقضاء علي دولة العصابات المزعومة
وبرخاء اقتصادي بعد تأميم القناة وتأميم
كل شيء وبناء السد العالي
و(صناعة كبري.. مزارع خضرا..
تماثيل رخام ع الترعة وأوبرا).
ثم عشنا حلم الرفاهية بعد نصر أكتوبر وزوال الاحتلال
وبدأنا الانفتاح الاقتصادي الذي هو عكس الانغلاق الاشتراكي.
فهل اختلف الواقع؟
ليس لي أي رأي,وإنما أسأل القارئ
أو أدعوه أن يفكر معي.
اليوم وبعد كل هذه المياه التي جرت
في النهر فالواقع يبدو كما هو.
خلال كل هذه العقود كانت السياسة الرسمية
تؤكد أننا نعيش في حرية وديمقراطية
وحتي اليوم باستثناء الأصوات المعارضة التي تنفي ذلك،
وهو ما كانت تقوله دائما إلا في عهد الناصرية
لأنه لم يكن مسموحا إلا بصوت واحد.
فهل تغير الواقع؟
فكر معي أو فكر لوحدك.
في الماضي كانت هناك مطالب بإعادة دستور عام
23 واليوم مازال البعض يطلب هذا.
ستة عقود مختلفة والمطالب تدعو لحرية الصحافة
والديمقراطية ومازلنا نعترف بما فيها الحكومة
الحالية أننا نعاني الفقر والجهل والمرض.
فهل تغير الواقع؟
أرجوك أن تسأل نفسك
وأن تجيب علي مسئوليتك الشخصية.
في أيام الملكية نشرت صحيفة حزب مصر
الفتاة علي ما أظن صورا للشحاذين والمشوهين
والفقراء وأولاد الشوارع وكتبت تحتها
عنوانا ضخما (رعاياك يا مولاي) اليوم تنشر
صحيفة الوفد صورا مشابهة تماما وبعنوان مشابه.
ومع ذلك تظل هناك بعض الفروق.
في الأفلام القديمة تري مشاهد متكررة لموظف
يذهب لعمله متأخرا خمس دقائق لا غير لظرف
طارئ فيخصم المدير من راتبه فورا.
وكان شرطي المرور يظهر فجأة علي
دراجته البخارية ليضبط سائقا خالف السرعة!.
كانت الفتيات والنساء يلبسن الفساتين التي تكشف
عن أذرعهن ثم الميني فالميكرو جيب
ويركبن بها المواصلات العامة.
فأصبحن يلبسن الحجاب علي البنطلون المحزق
والنقاب الذي يخفي كل شيء
في جسدها أو جسده!.
وهي مجرد فروق قليلة وبسيطة أفضل
أن آخذها نموذجا عن غيرها من الفروق
التي تبدو أكثر أهمية.
كان المفكر لطفي السيد قد قال إن التعليم
لابد أن يسبق الديمقراطية.
ولم يستمع له أحد.
واليوم يكاد يجمع الكل أن الديمقراطية غير موجودة
ويجب أن نوجدها فورا مع اعترافهم أننا نعيش
جهلا كبيرا وتعليما هو الجهل بعينه.
مازال الفقير يعاني والمريض لا يجد ثمن الدواء
هذا إذا وثق في الطبيب.
ومازال الجهل موجودا بين المتعلمين
والدكاترة كالأميين إن لم يكن أكثر وأخطر.
ثالوث الفقر والجهل والمرض يمكن تلخيصه
في كلمة واحدة هي (التخلف).
التخلف إذن هو ما نجحنا في الاحتفاظ به
رغم أي اختلافات بيننا كأنه هويتنا وجنسيتنا
مهما تغيرت الظروف الاقتصادية والسياسية قليلا أو كثيرا.
فهل تري في كل الأحزاب الموجودة أي خطة لعبور التخلف؟
فكر أنت بعيدا عني. لقد تعبت أنا من التفكير!.
0 التعليقات:
إرسال تعليق