القاهرة :
«القط خربش رجب» كان هذا هو التعليق الذي نشره موقع
عشرينات على الإنترنت تعليقا على الأزمة التي وقعت بين
الكاتب الساخر الكبير أحمد رجب وممتاز القط رئيس تحرير
جريدة «أخبار اليوم» التي تصدر صبيحة كل سبت وينشر
فيها رجب تعليقا لرسم كاريكاتوري للفنان عمرو فهمي
بعنوان فلاح كفر الهنادوة، عن فلاح يجلس مع الرئيس
مبارك ليحدثه عن مشاكل «الكفر»، كما ينشر مقالة في
الصفحة الأولى بعنوان الفهامة.
الأزمة تفجرت حين غاب اسم رجب من على الرسم
الكاريكاتوري الذي يكتب فكرته عن الجريدة الأسبوع
الماضي، والمقال الأسبوعي الذي حل محله مقال للكاتب
لينين الرملي، ثم تبدت بعد ذلك الخلافات العميقة بين القط
ورجب، حين قرر الأخير الاحتجاب عن الكتابة بعد حذف
عبارة من كاريكاتير العدد الماضي، وكان الحذف يتعلق
بعبارة ورد فيها اسم «جرجس أفندي»، وتلقى رجب اتصالاً
هاتفياً من رئيس التحرير ممتاز القط، طلب فيه حذف هذه
العبارة، فرد أحمد رجب بغضب ورفض أي تعديل، وعندما
أبلغه القط بأن الأمر قد ينطوي على فهم يضر بالوحدة
الوطنية، أجابه رجب «إنت هتعلمني الوعي السياسي وإزاي
أحافظ علي الوحدة الوطنية؟!».. ثم أغلق السماعة، ولم
يرسل فكرة الكاريكاتير أو المقال، حسبما ذكرت جريدة
«المصري اليوم» التي فجرت القضية.
وقالت بعض المصادر في أخبار اليوم لـ«الشرق الأوسط»
إن رجب أرسل الخميس قبل الماضي اعتذارا إلى القط عن
الكتابة لنشره السبت الماضي مكان مقاله «الفهامة»،
إلا أن القط لم ينشر الاعتذار، وقام بنشر مقال للكاتب
المسرحي لينين الرملي في المساحة المخصصة لمقال رجب
من دون أي اعتذار للقراء.
وفي حين رفض رجب التعليق على الحادث قال ممتاز القط
رئيس تحرير «أخبار اليوم» لـ«الشرق الأوسط» إن
الموضوع أخذ أكبر من حجمه،
وإن هناك جرائد «فاضية» ليس وراءها شيء،
حد تعبيره، استغلت الموضوع للتشهير،
مع أن الأمر أبسط من كل هذا،
فالحكاية أن الرجل مرهق وأراد أن يستريح قليلا.
وحول حذف الجملة من مقال كاتب كبير كأحمد رجب قال
القط في غضب:
إن هناك سياسة عامة للجريدة يلتزم بها الجميع،
والكاتب الكبير لا بد أن يلتزم بأي شيء يقوله رئيس التحرير
بعيدا عن أي مواقف جانبية، أو حساسيات.
وحول ما رددته بعض الصحف من أنه نقل مقال «الفهامة»
لرجب من الصفحة الأولى إلى الصفحة الثانية ثم الأخيرة،
علق ساخرا «ومن أدرى هذه الصحف أن هذا لم يتم بموافقة
أحمد رجب؟!»،
وأضاف «ثم إن الصفحة الأخيرة ليست سيئة، أنا رئيس
التحرير أكتب في الصفحة الأخيرة».
هدأ ممتاز القط قليلا وأضاف «لا أحد يستطيع أن يمنع أحمد
رجب من الكتابة في أخبار اليوم، لأنها بيته،
كل ما في الأمر أن الصحافة ضخمت الموضوع،
وصنعت شيئا من لا شيء،
وما تم مشكلة تحدث بشكل روتيني داخل أي منظومة عمل
وهو أن يطلب رئيس تحرير من الكاتب حذف جملة ويتفقان
على هذا»،
وتابع « إن «أخبار اليوم» أكبر جريدة في العالم العربي،
وتوزيعها يزيد بشكل مطرد،
وما أثارته بعض الجرائد عن الخلافات لن يؤثر عليها في
شيء».
يذكر أن ممتاز القط الذي تولى رئاسة تحرير «أخبار اليوم»
عقب إبراهيم سعدة نهاية الصيف الماضي في التغييرات
الصحافية الشهيرة،
مر بالعديد من الأزمات مع الصحافة منذ توليه المنصب،
وهوجم مرات عديدة، لعل أشهرها عن مقاله المنشور إبان
الحملة الانتخابية للرئيس المصري حسني مبارك والذي
اشتهر بين القراء بعنوان «الطشة» حيث تحدث القط عن
معاناة الرئيس وحرمانه من «طشة» الملوخية والأكلات
الشعبية».
كان قد تردد أن سبب منع كاريكاتير فلاح كفر «الهنادوة»
هو جهات سياسية عليا، وليس ممتاز القط، لكن أحمد رجب
نشر في عموده اليومي الشهير بجريدة «الأخبار» الأحد
الماضي «1/2 كلمة » ما نصه «عن احتجاب كفر الهنادوة
: لم أستأذن الرئيس مبارك في رسوم زيارة فلاح كفر
الهنادوة للرئيس،
فاني أعرف بالتجربة الطويلة احترامه لحرية الصحافة،
بل انه أذن للفنان عمرو فهمي بإقامة معرض كفر الهنادوة
وأناب الفنان فاروق حسني لافتتاحه،
وأشهد أن في كل لقاءاتي مع الرئيس
لم يفاتحني البتة في ما أكتب سواء في
«نص كلمة» أو «كفر الهنادوة».
والخلاصة: أن الرئيس لا علاقة له باحتجاب «كفر
الهنادوة» وهو الأمر الذي كشف عن وجود أزمة حقيقية».
المشكلة بين القط ورجب طرحت عددا من الأسئلة الهامة لعل
أهمها حدود العلاقة بين الجريدة والكاتب الكبير،
وما إذا كان من حق الجريدة أن ترفع مقاله من النشر في
حالة خالف سياستها العامة،
ولعل اشهر من حدث هذا معهم الكاتب
الكبير محمود عوض الذي منع من الكتابة
أيام ابراهيم سعدة ، وما زال ينشر مقالاته في العديد من
الصحف العربية من دون أن يتمكن من النشر في صحيفة
«الأخبار» التي عمل بها منذ ما يقرب من 40 عاما.
وفي اعتقاد إسماعيل منتصر رئيس تحرير مجلة «أكتوبر»
فإن مشكلة القط ورجب أخذت أكبر من حجمها كثيرا،
وإذا كنا نعترف بحق الكاتب في أن يعبر رأيه
عن أفكاره بكل شفافية،
فيجب أيضا أن نعترف بحق رئيس التحرير،
وقد يكون ما حدث مجرد سوء فهم في ظن منتصر
يتمنى ألا يأخذ أكبر من حجمه،
لأن الصحافة القومية (الحكومية) بالتحديد
تتعرض لهجمة شرسة،
ويقول «هناك من يشعل النار في الموقف،
وتصرف رئيس تحرير «أخبار اليوم»
لم يخرج عن الحدود الصحيحة،
وهو تلميذ لرجب كما قال ويحرص عليه
ولا يعقل أن يطرد كاتبا كبيرا له قراؤه».
وباعتبار إسماعيل منتصر رئيس تحرير،
أي في موقف مماثل، فهو يقول
«حدث شيء يشبه هذا مع كاتب كبير جدا،
وأنا رأيت أن بعض ما جاء في مقاله
يتناسب مع السياسة التحريرية،
فحدثته بمنتهى الحب، وكان متفهما لوجهة نظري،
واستجاب لرأيي ووصلنا إلى منطقة وسطى اتفقنا عليها،
وفي تصوري كان على رجب أن يكون رحب الصدر ويتفهم
رأي القط»، العلاقة بين الكاتب الكبير ورئيس التحرير في
اعتقاد منتصر يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل،
وأن يدركا أنهما يقومان برسالة واحدة لقارئ واحد.
أحمد السيد النجار رئيس تحرير التقرير الاقتصادي في
«الأهرام» يعتقد أن الأمر يرتبط إلى حد كبير
تقدير رئيس التحرير الشاب للقامات الكبيرة ،
وأقدار الناس، ويجب على القط أن يكون
مدركا لقيمة وقدر رجب، وألا يتغير رأيه
بعد ان أصبح في منصب كبير،
أيا كانت الملابسات.
قد أختلف مع أحمد رجب، هكذا يقول النجار،
لكنه يضيف: لكن لا يمكن لأي عاقل أن ينكر قدره،
ويجب على أي شخص في منصب رئيس التحرير
أن يحتفظ برؤية حقيقية لأقدار الناس،
وألا يعتبر نفسه أفضل،
في منصب أعلى إداريا،
وما حدث هو عدم تقدير يعكس النمط التسلطي الحقيقي
لبعض رؤساء التحرير، على حد تعبير النجار.
وفي ظن النجار انه يجب على القط أن يدرك
أن «أخبار اليوم» صحيفة قومية وليست حكومية،
ويجب أن تضم كافة التيارات في الوطن والتي لها شرعية
الوجود، وبالتأكيد فأحمد رجب ليس
عضوا في تنظيم سري شيوعي،
أو في إحدى الجماعات الإسلامية المتشددة،
وحتى في إطار النظرة الشرعية فهو حر أن يكتب ما يشاء،
وما حدث في اعتقاده رؤية قاصرة للغاية
لمهمة رئيس التحرير،
ومرتبطة بمن يردد الخطاب الحكومي
والترويج له من دون وعي.
المقارنة بين هذا الموقف وموقف إبراهيم سعدة،
رئيس التحرير السابق للجريدة الذي كان
قد منع ذكر اسم الممثل عادل إمام في الجريدة
بعد خلاف معه،
وكان إذا حتم الأمر ذكر اسمه في إعلان
عن فيلم السهرة يقال فيلم
«طيور الظلام بطولة رياض الخولي»
وهو للعلم يقوم بدور ثالث في الفيلم،
المقارنة ليست متوازنة في ظن النجار
فهو يعتقد أن عادل إمام ليس
من البناء الأساسي للجريدة على عكس
أحمد رجب فهو احد أعمدتها الأساسية
وساهم بشكل كبير في صناعة مجدها.
العلاقة بين الكاتب ورئيس التحرير
في ظن النجار يجب أن تبتعد عن ثنائية المنح والمنع،
ويجب على رئيس التحرير أيا كان أن يدرك
أن الكاتب الكبير لديه القدرة على
الإحساس بالمسؤولية وليس بحاجة
إلى أن يحددها له أحد، وما فعله القط
هو أن أضاف قيودا جديدة إلى قيود العمل الحكومي.
مجدي مهنا مدير تحرير جريدة «الوفد»
السابق والذي يكتب عمودا يوميا
في جريدة «المصري» اليوم يقول
إنه في العادة من حق رئيس تحرير الجريدة
أن يقرأ كل ما ينشر في الجريدة وأنه يتحمل مسؤولية
تضامنية، والكاتب مسؤول ككاتب
عن كل ما يكتبه، والعلاقة بينهما يجب أن تكون جيدة،
الكاتب في ظنه من حقه أن يكتب ما يشاء،
وإذا رأى رئيس التحرير شيئا آخر فيجب
أن يحترم ما يكتبه الكاتب،
ويقول «أعتقد أن أحمد رجب كاتب كبير
ويقدر المسؤولية ويعرف الحدود التي يتجاوزها
أو لا يتجاوزها» .
ويقول «حتى لو كان رئيس التحرير مسؤولا
عن كل ما ينشر بالجريدة ففي حالة كاتب كبير
كأحمد رجب لا يجوز الحذف أو التعديل
إلا بعد الرجوع إليه، فإما أن يوافق على
التعديل أو لا، بعدها له الحرية في
الاستمرار من عدمه».
0 التعليقات:
إرسال تعليق