الفساد الذى طال أحلامنا
الفساد الذى طال أحلامنا

مثار الانشغال اليومى للمواطنين على اختلافهم..
وذلك للحجم الذى بلغه، واتساع دائرته، وترابط آلياته بدرجة-
وبحسب أستاذنا د. محمود عبدالفضيل- لم يسبق لها مثيل من قبل..
الأمر الذى أثر سلبا، وفى الصميم، على بنية المجتمع
ونظام قيمه، ونسيجه وسلوكيات أفراده..
الجميع يشعر بعبء الفساد، وأنه لا سبيل «لتمرير» مصالح الناس إلا بالرشوة ورصد العمولات،
وأن الفرصة تكاد تكون معدومة لتحرير هؤلاء الناس من هذا العبء..
وقد اهتم كثير من الدوائر البحثية بالأمر فى محاولة لفهم الظاهرة
وأسبابها وآلياتها وآثارها.. إلخ،
كذلك أصبح الفساد مادة رئيسية للإعلام بأشكاله المتنوعة.
بيد أنه يبقى للفن دوره فى قدرته على رؤية
الواقع فى عمقه، واستعراض حجم الإعاقة
التى طالت المجتمع، ومن ثم دق ناقوس
الخطر من أجل ضرورة التغيير..
وقد تناول الفن المصرى هذا الملف فى كثير من أعماله.
ففى السينما نذكر أفلام الزوجة الثانية والعيب وطيور الظلام..
ومسلسلات مثل أنا وإنت وبابا فى المشمش..
ومسرحيات سكة السلامة وحركة ترقيات و عسكر وحرامية..
ويلاحظ من خلال تاريخ إنتاج هذه الأعمال
كيف تطور الفساد، من حيث درجته،
وتشابك حلقاته، من الفساد البسيط إلى المركب،
ومن الفساد الفردى إلى الجماعى،
وكانت ذروته ما عبر عنه المخرج الكبير العزيز داود عبدالسيد
فى فيلمه مواطن ومخبر وحرامى.
فى هذا السياق يأتى العمل المسرحى زكى فى الوزارة،
للكاتب المبدع لينين الرملى
ليضيف بعدا جديدا حول الفساد.. حيث تدور الفكرة الأساسية للمسرحية
حول أن الإصلاح بات بعيد المنال، بسبب الفساد حتى لو كان حلما..
فبطل المسرحية الدكتور زكى لديه رؤية لتطوير
الواقع وبخاصة مستقبل الشباب،
ملاحظات على أداء الحكومة يعبر عنها فى الصحف..
ويتصور أن هذا كفيل بأن يدعى لتولى مسؤولية إحدى الوزارات للمشاركة
فى تطوير الأوضاع.. ولأن هذا لا يتحقق فإنه يتصور أن رئيس الوزراء
قد استدعاه- بالفعل-وكلفه بوزارة الشباب والرياضة..
وصدق الرجل تصوره.. وعاش فى حلم أنه بات وزيرا..
ساعده فى ذلك كل مَنْ حوله
(زوجته وبنته وخادم المنزل الذى يذكرنا بالطواف
فى عيلة الدوغرى لنعمان عاشور- الخادم التشيكوفى التاريخى..)..
وكانت الحجة المعلنة هى مساعدة زكى فى أن يشفى من وهمه،
وتحقيق ما يتمناه ولو حلما. ولكنهم فى واقع الحال،
وقعوا فى الوهم
وشاركوه الحلم (ابنته صارت سكرتيرته فى الحلم،
وخادمه أصبح فرّاش مكتبه فى الوزارة..
المكتب الذى لم يكن سوى مكتب المنزل ولكنه غيّر ديكوراته
كى يشابه مكتب الوزارة)...إلخ.
لم تكن إشكالية زكى أن يصبح وزيرا
بقدر رغبته فى أن يحقق شيئا لوطنه.
المفارقة أن زكى يفشل، فى الحلم، أن ينجز شيئا.
تعكس المسرحية إلى أى حد بلغت درجة الفساد..
لقد كان زكى يشعر أن لديه ما يقدمه للوطن..
ولكن انسداد قنوات العمل السياسى، والتى لا تسمح إلا
لأصحاب الثروة- فقط-من ممارسته من جهة،
كذلك تواطؤ عناصر شبكة الفساد المانعة
لاقتراب ذوى الجدارة Meritocracy...
لصالح متوسطى الكفاءة Mediocracy من جهة أخرى،
جعلته يلجأ إلى الحلم تتبعه أسرته فى ذلك..
ولكن آلة الفساد طالته وقيّدته ومنعته هو وأهل بيته من تنفيذ
ما كان يحلم به واجتهد من أجله- فى الواقع- من خلال مشروعه
حول مستقبل أفضل لشباب مصر. لقد امتد الفساد إلى الحلم...
واستسلم زكى فى حلمه لشبكة الفساد التى استولت،
بالإضافة إلى واقعنا،
على أحلامنا. وتنتهى المسرحية بأن يكتشف زكى ما تعرض له
على مدى سنة ونصف..
وفى نفس الوقت يعلن عن تغيير وزارى فى الواقع..
تتجدد معه آمال «زكى» فى الوزارة..
ولكن تأتى الخاتمة من دون معرفة
هل سيعمل البطل على هزيمة الفساد فى الواقع من
خلال مشروعات واقعية وحقيقية..
أم سيعاود الحلم الذى يطاله الفساد مرة أخرى!
0 التعليقات:
إرسال تعليق