27‏/12‏/2011

فرقة حسب الله للدراما

27‏/12‏/2011

كتب لينين الرملي

كتبت هنا منذ شهرين عما يسمي بأزمة المسرح، وصحتها كارثة المسرح. حرق أبنية المسارح يحدث نتيجة الإهمال. أما حرق المسرح كمفهوم وكفن وثقافة فيحدث بفعل فاعل. والفاعل معروف ويسمي المسئول. ومؤخرا كتب الصديق علي سالم هنا عن المسرح وكتب الكثير من النقاد الشرفاء في عدة صحف ومجلات. لكن لا حياة لمن تنادي.

ألتقي بعلي من حين لآخر ونتحدث في أمور كثيرة منها المسرح بالطبع. لكن مقالاته الأخيرة تجعلني أناقشه هنا. فهو بطبعه المتفائل وأدبه المفرط ورومانسيته يخشي أن يخدش القوارير بكلماته متغافلا عن أنها مهشمة أصلا!. يتحدث عن البهجة في سرادق العزاء. يشارك بالرأي وهو الذي أقصي لربع قرن عن المسرح عمدا مع سبق الإصرار والترصد وحتي إشعار آخر. يكتب في الصحف وينشر مسرحيات وتدعوه السعودية في مهرجانها السنوي. لكنه ليس مدعوا في مصر للمسرح في أي مناسبة. كأن موقفه السياسي يلغي موهبته وتاريخه.

أستبعد أن يكون هناك قرار سري من وزارة الثقافة بهذا، خاصة ووزيرها كان قاب قوسين أو أدني من إدارة اليونسكو. هل وراء هذا عدم رضاء بعض الموظفين عنه لأنه لم يعرض كغيره مسرحياته علي صدام في العراق ودعا أمامه أن تحذو كل البلاد العربية حذوه في التصدي للإمبريالية وبالتالي لم ينل كغيره من المناضلين ولو أقل جوائز صدام وهي الساعة الذهب المزينة بصورته ؟هل لأن نقابة الممثلين واتحاد الكتاب فصلاه من عضويتهما فأعادته المحكمة واستقال هو في ساعتها؟.

كتب علي في مقالاته كأن هناك مؤسسة للمسرح بالفعل. وكأن المسرح مطلوبا بالفعل وكأن كل المؤتمرات واللجان والمهرجانات والمسابقات حقيقية بالفعل.

يا لشد رومانسيته. ضع لافتة مدرسة أو جامعة علي أي مبني ..تصبح مدرسة وجامعة.ضع لافتة مسرح علي أي مبني يصبح مسرحا. ضع أي كلام فارغ فيه يصبح ممثلها ولو كان مهرجا من رجال الفكر والفعل من نوعية جيفارا. يهرع له الإعلام ويستفتيه في السياسة وقضايا وطني حبيبي الوطن الأكبر.

يري بعض العلماء الأجانب أن المسرح بدأ في مصر القديمة قبل اليونان من خلال الاحتفالات الدينية.ويمكن أن نشاهد بقايا هذه الاحتفالات وقد زالت حضارتنا في شكل الموالد.وما أوسع الفرق بينهما. في العصر الحديث اقتبسنا المسرح الغربي. وفي السنوات الأخيرة حولناه إلي مولد وصاحبه غايب. فالمسئول يخطط ويدبر ويصرح ويتصدر المؤتمرات والمهرجانات وتظهر صوره يوميا في الصحف والشاشات قبل وأثناء وبعد أن ينفذ عمله. وعندما يظهر عمله الأسود لا يعترف بأنه صاحب المولد ولا يترك منصبه أبدا.

يكتب علي سالم أن ( أي ممثل جيد يمكن أن يعمل بالمسرح بغير أجر في حالة أن يقدم عرضا يغذي عنده احتياجا حقيقيا لفن التمثيل. وربما يوافق علي التمثيل في أعمال ليس لها صلة بالمسرح لكن مقابل رزمة من المال) .ربما يصح هذا الكلام عن الماضي. فالنجم اليوم لن يعمل في المسرح لقاء أي مبلغ. فما بالك بمسرح الحكومة وميزانيته لا تكفي أي نجم؟.لكن مسرح الحكومة يصر علي تقليد المسرح الخاص الذي توفي قبله. فيبدأ بما يسمونه النجم وبعدها يأتي أي أمر آخر. لكنه لا يجد إلا أشباه نجوم انتهت مدة صلاحيتهم وانسحب الجمهور عنهم.


ورغم ذلك يفرض كل شروطه علي مسرح الحكومة فيختار الكاتب والمخرج والممثلين ويتولي تعديل النصوص والمشاركة في الإخراج. ولأن وضع العربة أمام الحصان لا يفيد. يفشل العرض فيسارع النجم الذي كان يتحجج بقلة الدعاية ويفتعل الأسباب ليغلق العرض قبل أن يغلقوا عليه الستار.

فإذا قلنا استعينوا بجيل جديد، يظهر أن كل الموظفين وأقاربهم ومن يكتبون عنهم هم خلاصة فن المسرح في مصر. والنتيجة لا يذهب الجمهور ويقبض الموظفون ومعارفهم. لذلك هم أصحاب مصلحة ألا يظهر أي عمل جيد حتي لا تحدث مقارنة مع ما يقدمونه. نطالع لسنوات إعلانات مسرحيات لا يشاهدها أحد ولا يشهد لها أحد إلا إذا كان صاحب مصلحة.

المسرح في نظر الحكومة أكل عيش والموظفون يريدون أن يأكلوا عيش . ومن حق كل منهم أن يأتي عليه الدور. ولما يعمل له مسرحية أحسن ما يمد إيده وياخد حق الشاي كالموظف العادي.فهو موظف بدرجة مدير ومخرج وممثل وكاتب معا.

ودعوة أفلاطونية طحن من علي سالم لنجوم الدراما المعروفين (بمد الجسور بينهم وبين طلبة المعاهد الفنية وبعيدا عن تشكيلات النقابة ووزارة الثقافة).. كان مثل هذا يتطلب في عهد عبد الناصر تصاريح كثيرة من جهات الأمن. أما الآن فالقائمون علي هذه المؤسسات لن يسمحوا بهذا أبدا. والغريب أن علي سالم يكتب منذ سنوات عن الفاشلين عديمي الموهبة الذين يحاربون كل مبدع. فهل نسي؟.

كلما كان مسرح الحكومة يعيد عرض العروض الناجحة كان المسرح يمتلئ بالناس رغم كل الظروف. والمسرح في كل العالم يعيش مهما كانت النصوص الجديدة قليلة. فهي ليست حجة.

العالم يعرض وسيعرض أعمال أسخيلوس وسوفكليس ويوربيدس وأريسطوفان. وأعمال شكسبير وموليير وأبسن وشو ويونسكو وبيكت إلخ. وبعضها يعرضه مسرح الحكومة أحيانا لكن بطريقة تجعلك تكره اليوم اللي دخلت فيه المسرح. فكل نص هو نوتة موسيقية لكن ليست كل فرقة موسيقية قادرة علي عزفها بإجادة . فلا تصلح فرقة حسب الله لعزف سيمفونية لبيتهوفن. لكن إذا كان القائمون علي أمر المسرح لا يفقهون في الدراما ولا يهمهم من الأمر إلا الوجاهة والادعاء فالنتيجة هي ما عليه المسرح اليوم.

الدراما لا تدغدغ الناس وتتسول منهم الضحك بالنكات والقفشات.لكنها تزيد وعيهم بالواقع فيضحكون. الدراما لا تكتب في المكتوب. بل تختلف معه وتناقشه. ولا تهتف ولا تدعو لمظاهرات ولا تعطيك إجابات جاهزة بل تثير الأسئلة.

وفرق حسب الله المسرحية لا تصلح إلا للعمل في الموالد




0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
lenin elramly ◄Design by Pocket, BlogBulk Blogger Templates