لا أفهم كيف نشكو من أزمة المساكن ولا أصدق الشائعات المغرضة التى تقول إن ملايين الناس من شعبنا لا يجدون المسكن فينامون فى العراء. فهذا غير صحيح.
لأنهم ينامون فى العشش أو فى الخيام. وسكن الخيام لا عيب فيه بل هو يشرفنا جميعاً، فقد عاش فيها أجدادنا من العرب الذين كانوا ينصبونها تحت سفح الأهرام!. بل أكاد أقول أن سكن الخيام من السنن الحميدة بجانب اللحية والجلباب. ونشكو أننا لا نجد الغاز بينما يمكننا أن نستخدم الحطب كوقود كما عاش عليه الأجداد حتى مطلع القرن الماضى.
ولكن البعض من المتفرنجين يدعو إلى السكن فى بيوت من طوب وحجر وخرسانة وحديد، وما شابه هذه التقاليع، بينما نحن نعيش فى بيوت أقوى من كل هذه الخامات وهى البيوت التى نبنيها من الكلمات. وما أجملها وأروعها وأعظمها من بيوت يحسدنا عليها القاصى والدانى فى المشرق والمغرب. بيوت وصروح وقصور من الكلمات المتراكمة عبر القرون لا يمكن أن تهتز أو تنهار. باقية إلى أبد الآبدين فهى مثبتة فى الأرض أو الصحراء بأوتاد قوية فى الرمال. مبنية من صخر اللغة العربية الفصحى التى تحتوى على الوارد والشارد والتى لم تترك معنى أو مبنى إلا ونحتت منه عشرات المترادفات. ولهذا السبب نعيش فيها بارتياح وهدوء وسلام وننام على أحلام جميلة ونصحو على أحلام جديدة فلا نغادر هذه البيوت إلا إلى المدافن.
نحتمى بالكلمات من الأعداء فتتحطم جيوشهم وأساطيلهم على دروعنا من الكلمات.. شعراً ونثراً وخطابة ومدحاً وهجاء فيرتدون خائبين. فإذا لا قدر الله نجحوا فى زعزعة بعض خيامنا القوية فإنهم لا يقدرون على هزيمتنا لأننا يمكننا بسهولة أن نبنى غيرها فى دقائق معدودات. بل قد يحفزنا الهجوم علينا كى نبنى قلاعا من القصائد الخالدة تتكون من مئات البيوت وأرجعوا إلى تاريخنا وتأملوا المعلقات. فإذا جربوا معنا سلاح المقاطعة الاقتصادية باء سعيهم بالفشل، فنحن لا نسكن بيوتا من الكلمات فقط ولكننا أيضا نتغذى ونقتات عليها ولذلك ينمو أطفالنا عمالقة كرام حتى لو أكلوا مجرد الخبز، فالخبز عندنا اسمه أيضا العيش والعيش من العيشة أى الحياة والمثل السائر عندنا يقول( ما حدش بينام من غير عشا) ومع ذلك لا نكتفى بالعيش وحده بل نغمس به الملح ونقسم فنقول ( وحياة العيش والملح اللى بينا). ولم يمت أحدا من الجوع أبداً فدائماً (بيت المحسنين عمار).
فإذا حاول الأعداء أن يغزونا بثقافتهم المنحلة التى لا تعرف الأخلاق، فنحن لهم بالمرصاد عن طريق الكلمات التى نتحصن خلفها. ويحفظ كل تلميذ عندنا بيت الشعر الذى قاله أحمد شوقى وهو (وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم.. ذهبوا). ولأن الأعداء يجهلون هذا البيت وغيره تتردى أخلاقهم وتظل أخلاقنا سليمة صامدة باقية أبداً، بدليل أننا لا نزال على قيد الحياة. بينما هو يبحثون عن مأوى أو ملجأ فيسعون للهروب والسكن فى كوكب المريخ.
وإذا عايرونا بالعلم فهم يجهلون أن العلم عند الله. ويجهلون أن الله معنا وليس معهم. فهيهات أن ينفعهم علمهم أو يجعلهم أقوى منا. والاختراعات والتكنولوجيا التى يتفاخرون بها. لا تنقصنا ولا نحتاج أن نبذل أى جهد للحصول عليها واستخدامها ضدهم فهى تأتى إلينا حتى أبوابنا بأرخص الأسعار من بلاد مثل الصين وبالعملة المصرية.
الأجانب يتظاهرون بالشغف بالأهرام والمسلات والمعابد القديمة وباقى مظاهر ما يسمونه بالحضارة الفرعونية وذلك كى يشغلوننا فننسى الصروح العظيمة التى يخشون منها والتى ترتفع إلى عنان السماء كالقومية العربية وهو البيت الكبير الذى نسكن فيه جميعا ويقف سد منيعا أمام الصهيونية العالمية. وكى يشغلوننا عن إعادة ترميم البيت الأكبر وهو الخلافة الإسلامية التى ستتحقق قريبا جدا بإذن الله.
وتذكر خيام اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 48 فى البلاد العربية وخيام اللاجئين العراقيين فى سوريا بعد سقوط صدام وخيام اللاجئين السوريين فى تركيا ولبنان الآن تعرف فضل الخيام علينا.
ويبقى أننا نتمتع بالحرية والعدالة والديمقراطية أكثر من العالم. فكل منا يبنى بيته من الكلمات بحرية ولا يحتاج إلى ترخيص فكلنا يعرف اشتراطات البناء بمقتضى الأعراف السائدة بيننا. وأهمها ألا تفكر فى كلمات أخرى لم تأت فى تراثنا التليد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق