أكتب هذا المقال علي ضوء الشموع. إذن لا ينقصنا النور!.ولا مجال للشكوى من انقطاعه عن مصر المحروسة.هذا غير نور القمر الرباني. ونور مصابيح الشوارع بشرط أن نكتب ونقرأ نهارا لأنها لا تضيء ليلا ترشيدا للنفقات.
الحياة إذن ممكنة في كل حال ونحن شعب صبور.ثم أن الظلام ليس مكروها فقد كان سندا لكل قبيلة كي تغير علي القبيلة التي تجاورها وتستعبدها. ومن فوائد الظلام أنه يطلق الخيال فنتخيل العفاريت والأشباح أو نراها بالفعل فهي لا تظهر إلا في الظلام
لأن المعروف عنها الخجل الشديد.لكن لأن الشيطان شاطر فقد تمكن من عقلي وجعلني أربط بين كلمة النور وبين كلمة التنوير ولا مؤاخذة والعياذ بالله . والتنوير بالنسبة لنا يستدعي أمنا الغولة وأبونا أبو رجل مسلوخة. وظهورها في النور يعد عورة كما هو ثابت ومعروف لذلك يحرص حكامنا منذ عدة عقود أن يحمونا منها.
كم من شعبنا سمع عن أديسون الذي أخترع المصباح الكهربائي أو درسه في المدرسة؟ وكم منا قرأ ما جاء في تاريخ الجبرتي عما حدث خلال حملة نابليون عندما أوقف الفرنسيون جمعا من مشايخنا وأوصلوهم بقطعة سلك فارتعشوا جميعا ولم يفهموا كيف حدث هذا إذا لم يلاحظوا أن الفرنسيين قرأوا عليهم بعض ما جاء في الإنجيل مثلا. الحكومة اليوم تقطع النور علينا لأننا نستهلك أكثر مما يلزمنا من الكهرباء.و كتاب المعارضة الشرفاء لا يعجبهم هذا. لكن الخوف من القلة الذين يطالبون بحق الأمة في التنوير قبل النور.( هل هذا وقته بالذمة؟). المعارضون الشرفاء لهم العذر فخلال ستة عقود كان التنوير من الممنوعات عندما تم تصفية النخبة التي كانت تحاول نشره في خضم تصفية الإقطاع والرأسمالية المستغلة وأعداء الشعب, وفى سبيل الديمقراطية والحرية والعدالة. وبعد الطهطاوي ومحمد عبده وطه حسين والحكيم ونجيب محفوظ الخ, أصبحت النخبة تتكون من عبد الناصر وعبد الحكيم وصلاح وجمال سالم وكمال الدين حسين الخ. وكانت جبهة كل منهم تشع النور والتنوير بحكم دراستهم العسكرية. فالمشكلة اليوم عند شرفاء المعارضين هي فقط في النور.
أما النخبة الحديثة فقد تكونت من الشباب الذين أشعلوا ثورة 25 يناير وقد أجمع الكل بسرعة أنهم شباب طاهر بريء. وكتبت في 11 فبراير 2011 أي قبل مرور شهر علي الثورة أتفق مع هذا ثم تساءلت فقلت ( لكن هل البراءة من شروط الثورة؟! كنت أظن أنه الوعي!. وهو ما يفرق الثورة عن مجرد الهياج. فقد لخص الشباب مطالبهم في جملة لحنوها وتغنوا بها هي ( الشعب.. يريد .. إسقاط النظام). وهي جملة لا تعني تغيير النظام, بل مجرد إسقاطه فقط ).
انتظر الإخوان أياما قبل أن ينزلوا الميدان حتى يطمئنوا وتبعهم السلفيون ثم الذين أخرجتهم جماعات مشبوهة من السجون خاصة في سيناء,فرحب بهم الشباب ورفعوا الأيادي معهم باعتبار الكل (إيد واحدة). فهل وعي الشباب ساعتها أننا عشنا قرونا من الذل والهوان والاستعباد تحت حكم هذه الحركات الدينية.حكم المماليك وحكم الخلافة الإسلامية, تلك التي ينادي بها الإخوان والسلفيون اليوم وعاصمتها القدس؟
( ويقصدون غزة).ألم يعرف الشباب تاريخ هذه الحركات في كل المنطقة؟. بل هل كانوا يعرفون تاريخ مصر حقا فضلا عن حاضره؟. امتلأ نظام مبارك ومن سبقه بالفساد والديكتاتورية والغباء والحماقة وإذلال المواطنين.لكنك لا تستطيع تغييره بدون تنوير. فهل كان الشباب يعتقدون أن مصر تشكو من غزارة التنوير في عهد مبارك؟.علي أرض الواقع خرج الناس يضربون ويعتصمون ويقطعون الطرق ومنهم من راح يخطف ويضرب ويقتل. كل يأخذ حقه بيده.أما الخطر الأكبر فقد رأيته في بسطاء الناس وهم يتحدثون للتليفزيون من الشوارع يطالبون بإلغاء ( كوانين) المحكمة الدستورية العليا!.
المشكلة ليست في النور. شمعة تكفي لأن نقرأ ونكتب ونأكل ونتزوج ونعلم أطفالنا ونعيش.وكل الذين غيروا تاريخ البشرية فعلوا ما فعلوا علي ضوء الشموع بما فيها اختراع الكهرباء.دائما كان التنوير قبل النور وليس العكس.
السؤال الآن أين الثورة؟ وأين الشباب الذين أشعلوها؟ وماذا يقولون؟ وماذا هم فاعلون؟.إذا كانوا ما زالوا معنا. في كل الأحوال.أرجو أن يبدأوا بتقديم الاعتذار لشعبنا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق