قاسم مشترك يجمع بين جميع العروض التى تقدم على خشبات مسارح الدولة فى هذه الفترة ألا وهو أنها جميعا تتطرق لمناقشة قضايا سياسية، ومن الممكن أن نقول عن بعضها إنها ضمن عروض المسرح السياسى بامتياز، وحتى العروض الكوميدية تطرقت إلى الكثير من القضايا السياسية التى تشغل بال الكثيرين.
وهنا لا يمكن التحدث عن هذا النوع المسرحى دون الاستغراق فى الظروف الاجتماعية وكذلك الاقتصادية وجميع الظروف المحيطة بالفنان الذى يتأثر بها ويفرز فى النهاية العمل المسرحى، سواء كان أدبيا أو عملا مرئيا، وقد كان هذا المسرح قائما على فرق العمال الهاوية، لأنهم آمنوا بأن المسرح ليس مجرد عاكس للسياسة، بل هو صانع لها بما له من قدرة على التأثير الفكرى والوجدانى، وقد لعب المسرح العمالى الأمريكى دور الضمير الأخلاقى وتصدى بشجاعة ووعى لمأساة التفرقة العنصرية، وطرح على خشبته المظالم الفاحشة التى عاناها الزنوج والأجانب من المهاجرين الأوروبيين بعد نجاح الفكر الشيوعى، خاصة بعد تفاقم مشكلة البطالة والأزمة الاقتصادى؛ فترة الكساد الاقتصادى فى الولايات المتحدة الأمريكية، مرورا بالواقعية الاشتراكية ومسرح التحريض والدعوة إلى الثورة، كما تبلور فى عروض المخرج الألمانى أروين بسكاتور، وهو من ابتكر المسرح الملحمى، وذلك فى عشرينيات القرن العشرين من خلال مسرح (الريفيو الأحمر).
أما فى المسرح العربى فهناك العديد من ملامح المسرح السياسى، ففى مصر هناك نعمان عاشور الذى قد أمن بالحلم الثورى وبات يدعمه، على عكس ميخائيل رومان الذى شعر بالزيف وعدم صدق ما حوله، وأبرز هذا فى أعماله ذات الطابع التحريضى، كذلك هناك من تعرضوا للواقع، ولكن عن طريق الأسطورة أو التراث العربى، كألفريد فرج ونجيب سرور، كذلك هناك من التزم بالفكر السياسى والاجتماعى وهو سعد أردش.
بالتزامن مع هؤلاء ظهر فى سوريا سعد الله ونوس الذى عبر عن حاضرنا برمزية معبرة وذات حرفية عالية، وقد اكتشف بريشت أن قواعد الدراما التى وضعها أرسطو فى كتاب فن الشعر كانت نتاج تصور فكرى وسياسى، أى أنه حاول جعل هذا الإطار الفكرى والسياسى مطلقا، وهذا ما يفعله الاستعمار، فهو يستعمل الفكر والفنون لترسيخ مفاهيم السمو الفكرى لذاته، فى مقابلة دونية المستعمر، وهذا كله للهيمنة عليه، مما يعطيه مبررا للبقاء.
وعلى رأس تلك العروض التى يذخر بها المسرح اليوم تأتى مسرحية "عاشقين ترابك" التى قام الفنان ماهر سليم رئيس البيت الفنى للمسرح بافتتاحها لتعرض بقاعة صلاح جاهين، وتشمل 8 لوحات الأولى عن الثورة المضادة، وماذا فعلت الثورة؟ ولماذا لو لم تنجح؟ بينما تناقش اللوحة الثانية الصراع بين الأحزاب الدينية والمدنية، وكيف يرى كل طرف الآخر بشكل خاطئ،
كما تناقش اللوحة الثالثة الانتخابات والديمقراطية، والرابعة الاستبداد، والخامسة تبحث عن قارب النجاة، والسادسة عن أمن الدولة، والسابعة تدور حول ممثل يتمرد على سلطة المخرج، بينما تعبِّر اللوحة الثامنة والأخيرة عن محاولة لترجمة ما نادى به الشعب فى ميدان التحرير بصورة فنية، لتقدم لوحة لمصر فى عام 2050، ويعد هذا العرض تعبيرا عن الصخب السياسى الذى عاشه المصريون خلال أحداث ثورة 25 يناير وما تبعها من أحداث.
ورغم إجازة الرقابة للمسرحية بشكل كامل دون حذف إلا أن البعض قد حاول أن يتاجر ببعض ما تخيل أن الرقابة ستعترض عليه، وهو ما لم يحدث، وأجيزت المسرحية بشكل كامل، وهى إنتاج فرقة "الساحة"، بطولة جماعية لمجموعة من خريجى المعهد العالى للفنون المسرحية وطلبته.
من جانب آخر، تقدم فرقة المسرح الكوميدى العرض المسرحى الغنائى "طقاطيق جحا" بحديقة المسرح العائم، والمسرحية من إخراج المخرج الكبير عبد الرحمن الشافعى، وبطولة محمد دسوقى، فاطمة محمد على، وأشعار محمد الشاعر، وألحان أحمد خلف.
وتدور أحداث المسرحية حول استدعاء شخصية جحا من أحضان كتب التراث الشعبى، مدفوعًا إلى الحاضر الذى يجده يموج بالمتغيرات والأحداث الهامة بعد قيام الثورة المصرية، والذى يبحث فيها الجميع عن مستقبل جديد للوطن، ويتناول العرض الكثير من الأمور السياسية من خلال الإسقاط الرمزى عليها.
فى حين يستمر العرض المسرحى "حنظلة"، على مسرح الطليعة بمنطقة العتبة، وهو من بطولة محمد على، وآيات مجدى، وياسر عزت، وسماح سليم، وأحمد فتحى، وأحمد عبد الهادى، من تأليف سعد الله ونوس، وديكور محمد هاشم، وموسيقى وليد الشهاوى، وملابس مها عبد الرحمن.
ويناقش العرض معاناة المواطن المصرى اليومية، من خلال شخصية "حنظلة"، الذى يتعرض لألوان من القهر والفساد حتى يصل إلى مرحلة التمرد التى تؤهله للقيام بثورة، وذلك فى إطار كوميدى غنائى استعراضى.
فى حين يسابق فريق عمل مسرحية "الأبرياء" الزمن للانتهاء من بروفات العمل الذى سيعرض فور الانتهاء من تجهيزه على مسرح الطليعة، ويتوقع أن يكون أوائل نوفمبر.. العرض بطولة: أحمد عبد الوارث، وفايزة كمال، والحسن محمد، وياسمين سمير، ومروة عيد، ومحمد مبروك.. وغيرهم، وهى عن نص "وقت الأبرياء" من المسرح الألمانى، ويناقش الثورة الألمانية وزمن النازية، وما تلا ذلك من محاكمات ثورية للمجرمين.. إلى أن وصل إلى النتيجة نفسها، من إعداد وتمصير أمجد مصطفى، موسيقى وألحان وليد الشهاوى، أما الديكور والملابس والسينوغرافيا فهى لعمرو عبد الله الذى صنع ديكورا حقيقيا وواقعيا لمبنى أمن الدولة فى لاظوغلى.
وعلى مسرح الهناجر يستمر تقديم العرض المسرحى "محمد رسول الحق"، ويعد هذا العرض الأول الذى ترد به وزارة الثقافة على الفيلم المسىء للرسول عليه الصلاة والسلام، من بطولة أشرف عبد الغفور، والفنانة مديحة حمدى، وناصر سيف، وهشام عبد الله، محمد إبراهيم، وأحمد أبو عميرة، وديكور وملابس مايسة محمد وعلا على، موسيقى وألحان أحمد حجازى، والمخرج المنفذ توفيق إبراهيم، وغناء محمد فارس ومحمد الدبيكى، وتأليف وإخراج حمدى أبو العلا، ويتناول العرض أخلاق الرسول الكريم وما كان يفعله مع المُسيئين من تسامح ورقى ودعوة إلى الحق، وذلك فى إطار غنائى من خلال مدائح وإنشاد لحضرة النبى وإلقاء لأشعار يقوم بها الفنانون على خشبة المسرح
وقد بدأ الأسبوع الماضى من إنتاج فرقة مسرح الشباب وبطولة الفنان أشرف فاروق عرض مسرحية "طقوس المدينة" المأخوذة عن نص "المدينة" لـ"لولا آنا غنوستاكى"، وذلك على المسرح العائم بالمنيل، وهى من إعداد وإخراج هانى السيد الذى وصف العمل بأنه دراما مركبة، يتم سردها بشكل غير تقليدى، مشيرا إلى استخدامه أكثر من تكنيك لتحقيق هذا السرد، مثل المسرحية داخل المسرحية، والأطر المتداخلة وتكرار بعض الأفكار عبر شخوص مختلفة وإسقاطات سياسية كثيرة حول بعض ما يدور على الساحة السياسية، والعرض يشارك فى بطولته شريف صبحى ورفيف، ديكور وملابس محمد هاشم، تصميم رقصات محمد صلاح، وإعداد موسيقى إسلام عبد السلام.
وعلى خشبة مسرح ميامى تقدم مسرحية "فى بيتنا شبح"، وهى مسرحية من إنتاج المسرح القومى، وتدور أحداثها حول 7 من الأقارب يتوفى جدهم الذى يدعى"آدم"، ويقوم المحامى باستدعائهم لتوزيع التركة عليهم، وبتوالى الأحداث نتعرف على شخصيات هؤلاء الأقارب، فمنهم الصحفى المثقف ذو المقالات اللاذعة، إلا أنها تتميز بالتعقيد الشديد، وأخوه المريض نفسيا، أما الثالث فهو رجل ثرى ومتصابٍ ومتعالٍ على أقاربه، أما الرابعة فهى امرأة تأتى مع زوجها المتدين تدينا ظاهريا، أما الخامس فهو شاب يعمل بالمحاسبة ورزقه قليل، السادس هو "منصور" والذى يجسد دوره ماجد الكدوانى الشاب المثقف والفقير والذى يأتى مع حبيبته "أمل"، ليحصل كل منهم على نصيبه من الإرث، وتكون المفاجأة أن جميع أموال جدهم عبارة عن ديون سوف تسدد إلا القصر الذى اشترط الجد أن يجمع الأحفاد الحب والألفة فيما بينهم، لكى يحصلوا عليه ويلزمهم بأن يعيشوا فى هذا القصر الذى يرى فيه الوريث الأصغر شبحا، ويقتنع جميع الإخوة بوجود الشبح إلا منصور الذى يقاوم الفكرة ويؤكد أنه لا توجد أشباح فى القصر، ولكن باقى الأحفاد يبتعدون عنه بل ويصدونه وتتصاعد أحداث العرض بأن يكتشف الحفيد الأصغر عن طريق الشبح أنه يوجد كنز فى القصر، ويبدءون البحث عن الكنز وتتسارع الأحداث التى تعد إسقاطا على الواقع السياسى وما يدور به من صراعات بين القوى السياسية المختلفة، وضرورة أن تلتف جميعا حول البيت الذى يرمز إلى مصر باعتبارها الملاذ الأخير لهم، وإلا فلن ينجو أحد منهم كما حدث فى نهاية العمل.
المسرحية من تأليف الكاتب لينين الرملى، وإخراج عصام السيد، ويلعب بطولتها الفنان الكوميدى ماجد الكدوانى، والفنانون أشرف عبد الغفور وسامى مغاورى وسلوى عثمان وسيد الرومى ومازن الغرباوى وأميرة عبد الرحمن ومحمد رضوان ووصال عبد العزيز وكمال سليمان والسيد هندواى.
أما مركز الإبداع الفنى فيقدم إعادة للعرض المسرحى "قهوة سادة" للمخرج خالد جلال منتصف نوفمبر المقبل بنفس الأبطال الذين شاركوا فيها، وذلك بمناسبة الاحتفال بمرور 10 سنوات على إنشاء مركز الإبداع، حيث سيتم عرض المسرحية خلال فعاليات معرض الكتاب فى تونس فى الأسبوع الأول من نوفمبر، ويشارك فى بطولة العرض المسرحى كل من عمرو عبد العزيز، ومحمد فراج، ومريم السكرى، وهشام إسماعيل، وحسام داغر.
وهى العمل المسرحى الأشهر فى الأعوام الماضية، نظرا لأنها تعد نموذجا للكباريه السياسى، لأنها عبارة عن لوحات مسرحية متصلة منفصلة عن معاناة المواطن المصرى فى ظل العهد البائد.
وحتى مسرح الطفل لا يعد استثناء مما سبق؛ حيث يقدم مسرح القاهرة للعرائس مسرحية "عروسة خشب"، من أشعار شوقى حجاب، وألحان أحمد الناصر، واستعراضات محمد سلام، وعرائس أمير رجائى، وفكرة وإخراج سيد رستم، وهى المسرحية التى لاقت إقبالا جماهيريا كبيرا، ويدور العرض حول عروسة خشب تبحث عن الأراجوز الذى تعتبره مثلا أعلى لكل العرائس الخشب، ولكنها تتعرض للصعاب فى الرحلة، وتكتشف فى النهاية أنها مجرد عروسة تنفذ أمر الذى يقوم بتحريكها فقط. *محمد لطفى د.ت
0 التعليقات:
إرسال تعليق