الأدوار موزعة كما توزع الأدوار على الممثلين فى الأفلام والمسلسلات. هذا ضابط شرطة لا يحميك لكنه قد يرتكب الجريمة فى حقك. وهذا وكيل نيابة قد يحيلك للمحكمة متهما وأنت برىء. وهذه محكمة قد تبرئك وأنت الجانى. والجار الذى أوصانا به الرسول حتى سابع جار،
قد يجعلك تكره الدنيا وتهاجر إلى بلد غير مسلم. وهذا موظف يعمل على قضاء مصالح الناس قد يعطل مصالحك أو يجبى منك رشوة. وهذا جمهور مدينة باسلة قاومت الأعداء يستضيف فريقاً مصرياً مثله على أرضه فيقتل جماهيره رغم فوزه بالمباراة. وهذا داعية دينى يكسب الملايين يحرضك على عكس ما يقوله الدين ويبيح دم المواطنين أو يرفع عليك عشرات القضايا وهذا أضعف الإيمان. وهذا مدرس يعلن الإضراب عن العمل ليرفع راتبه مع أنه لا يدرس شيئاً للتلاميذ. وهذا جيش يحكم الدولة بالقوة بدلاً من أن يدافع عنهم فى المعارك. وهذا رئيس يخطب فينا ليل نهار بكلمات جميلة ويفعل عكسها تماماً فى السر والعلن. كأننا فى مسلسل طويل توزع فيه الأدوار، فيلعب الرئيس دور النجم الأول والأوحد. ولا يكتفى بذلك فيظهر فى كل مسلسل متقمصاً عدة أدوار مختلفة. يفصلها على مقاسه عدة كتاب يتميزون بأنهم بلا أى موهبة. ويتولى الرئيس دور المخرج فيوزع على نفسه أدوار البطولة، ليظهر فيها رجل المبادئ والقيم ورجل الخير والتقوى ثم إنه الدون جوان الذى تتنافس عليه كل النساء مع أنه يتجنب الغواية ولا يسقط فيها أبداً. ويحبه كل أهل الحتة جمعاء. ومع ذلك وبصفته الممثل والمخرج ومن يدير الإنتاج فهو يوزع بقية الأدوار على أهله وجماعته من المؤيدين. ولأنه ديمقراطى بطبيعته يترك للريجيسير أن يجلب الكومبارس الذين يأخذون أقل الأجور. فى كل يوم يستيقظ الرئيس فيذهب إلى مكان التصوير الداخلى وهو فى أحد قصور الرئاسة التى ورثها عن الملك فاروق أو يكون التصوير فى مكان خارجى كالميادين ومجلس الشعب والجوامع وزيارات إلى أماكن الإنتاج ويصافح بعض المواطنين الغلابة حسب السيناريو المعد له والذى قد يحذف بعض مشاهده ويعطى لنفسه حق الخروج عن النص كما يشاء وقد يرتجل بعض الحوار أو يضيف بعض النكات بخفة ظل ثقيلة!. تلاحقه كاميرات التصوير ثم يتم عمل المونتاج بعد ذلك لحذف هفواته وسقطاته. ولا تنتهى حلقات هذا المسلسل إلا ويبدأ الجزء الثانى منه ثم الثالث فالرابع دون توقف إلا إذا توفى الله البطل أو قتله أحد أو شاخ وملته الناس وأصبح من الأفضل تغيير هذا النجم العجوز بأى طريقة.
جالت هذه الخواطر فى ذهنى والتليفزيون ينقل لنا من نيويورك وعلى الهواء مباشرة مبادرة الرئيس السابق كلينتون والذى تحدث فيها الرئيس الحالى لمصر. فتذكرت على الفور خطابات الرئيس المحبوب محمد نجيب والرئيس المعبود عبدالناصر الذى هزم إسرائيل كما وعد ثم بطل الحرب والسلام وكبير العيلة الرئيس المؤمن أنور السادات فالرئيس الدائم حسنى مبارك الذى استمر مسلسله ثلاثين عاماً رغم أنه لم يكن زعيماً يوماً ما، وصولاً إلى لحظة مشاهدتى خطاب الرئيس الحالى، فوجدت أن السيناريو لم يتغير، فالخطاب لا يقل حرفية عمن سبقوه ولم يكن محمد حسنين هيكل ليكتب أفضل منه. فكل السابقين قالوا مثله إنهم مع الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة والأقباط.. إلخ. وطمأنهم بأننا دولة مدنية وليست دينية ولا علمانية فلم يختلف كثيراً عن غيره. وطبعاً تعريف العلمانية هى ما يحدده سيادته كما حددها كل من سبقه على مزاجه. إذن لا جديد تحت الشمس. هو نفس المسلسل، الذى يقتبس ويسرق من المسلسلات الأجنبية ويدعى أنها أفكارنا وقد حذف منها وأضيف إليها ما يجعلها شيئاً آخر تماماً. ورغم ذلك لا تطبق على أرض الواقع، ولذلك لا يعترف العالم بها ولا تنجح هذه الأعمال إلا فى منطقتنا.
انتهى الخطاب فذهبت خواطرى إلى النجوم الصاعدة الذين يحضرون أنفسهم لاقتناص دور البطولة ويلملمون أنفسهم ليتوحدوا فى فريق واحد – مؤقتاً طبعاً – للفوز بالرئاسة. إذا كان عندك فضول لأن تعرف ما الذى سيفعله الرئيس القادم من بينهم، ارجع إلى خطاب الرئيس الحالى.
0 التعليقات:
إرسال تعليق